روما - على سفح جبال أسبرومونتي في جنوب ايطاليا، تكسر ضحكات مجموعة من اللاجئين الرتابة التي تلف قرية منسية كانت على وشك الاندثار. وتستقبل قرية سانت أليسيو الصغيرة العائلات والمهاجرين منذ ثلاث سنوات في مشروع لا يهدف إلى تقديم المساعدات الإنسانية فحسب، بل يأتي كذلك بفوائد اقتصادية واجتماعية. وتقلص عدد سكان القرية خلال السنوات الماضية إلى 330 فقط، بينهم الكثير من كبار السن. وهجرت شوارعها الشديدة الانحدار والمرصفة بالحصى فيما أغلقت معظم نوافذ البيوت بعدما غادر قاطنوها سعيا للحصول فرص أفضل في مدن ايطالية كبيرة مثل تورينو وميلانو، أو حتى أبعد من ذلك في استراليا. وفي محاولة لإعادة الحياة إلى القرية، بدأ المجلس البلدي بتأجير ثمان من هذه الشقق الفارغة لإسكان ما يقارب 35 مهاجرا في وقت واحد كجزء من مشروع "نظام حماية طالبي اللجوء". ويحاول المجلس البلدي تقديم كل مساعدة ممكنة للقادمين الجدد من دروس اللغة الايطالية إلى المساعدة القانونية والطبية والنفسية، والتدريب الصوتي والنشاطات الاجتماعية مثل دروس زراعة الحدائق والطبخ والرقص. وفي القرية حاليا عائلة عراقية كردية، وعائلة غامبية وشباب من غانا ونيجيريا ومالي والسنغال. وهناك مشروع خاص للفئات الأكثر ضعفا مثل مرضى الايدز والسكري وضحايا شبكات الدعارة وزوجين صم وبكم، إضافة إلى امرأة قتل طفلها بالرصاص في ليبيا ويعتقد أن زوجها قد غرق. "إنساني ويحمل فائدة اقتصادية" ويؤكد ستيفانو كالابرو، الشرطي البالغ من العمر 43 عاما ويشغل منصب عمدة سانت أليسيو منذ عام 2009، أن "مهمتنا إنسانية وهو الأهم (...) لكن لها كذلك فائدة اقتصادية كبيرة". وتخصص الدولة قرابة 45 يورو (47 دولارا) في اليوم لكل مهاجر، يذهب معظمها إلى المنظمين لتغطية النفقات. واسفر المشروع عن وظائف جديدة بدوام جزئي أو كامل في سانت أليسيو لـ16 شخصا بينهم سبعة من السكان المحليين يتراوح عملهم بين المجال الاجتماعي ومدرسي اللغة الايطالية. وساهم كذلك في تجنب توقف الخدمات الأساسية في القرية سواء الحانة او المتجر الصغير وعيادة الطبيب والصيدلية. ومع توافر الأموال المتاحة للخدمات، نجح مجلس البلدية في فتح صالة رياضية لجميع السكان والاعتناء بساحة تطل على القرية، حيث يتبارى المهاجرون بشكل دوري مع فريق من نزلاء مركز قريب لإعادة تأهيل مدمني المخدرات. وبعد قضائهم نحو ستة أشهر إلى سنة في القرية، نجح بعض اللاجئين في إيجاد فرص عمل في المنطقة فيما انطلق آخرون إلى أماكن أخرى. لكن الغاني ساليفو (23 عاما) قرر البقاء في القرية حيث يحصل على لقمة عيشه من خلال المساعدة بالقيام بأعمال في الحقول. وقد لا تكون سانت أليسيو مدينة للأضواء أو المكان الأمثل لبدء الحياة العملية إلا أن ساليفو يقول مسرورا "لن نذهب إلى أي مكان آخر". وبعد قضاء أشهر في معسكر "مينيو" للاجئين في جزيرة صقلية، تعد أمور صغيرة كالحصول على موعد لدى الطبيب بشكل سريع ترفا. - نموذج ناجح - ويجلس انتونيو ساكا البالغ 89 عاما، أمضى 54 منها عاملا في مصنع في تورينو قبل عودته إلى القرية، مستمتعا بالشمس في حديقة منزله الأمامية. ويعبر عن تقديره لجيرانه قائلا "يتصرفون بشكل جيد. يعيشون حياة مستقلة إلا أنهم غالبا ما يمدون يد المساعدة". وأوضحت صاحبة الحانة، الأرملة سيليستينا بوريلو (73 عاما) الذي غادر ابنها منذ أعوام بحثا عن عمل في بلجيكا أن "القرية بدأت تفرغ من سكانها، فمن الجيد أن يكون هناك القليل من الحركة حاليا". وأضافت "نعرف ما يعنيه أن نترك أرضنا". وشجع نجاح المشروع المجموعة التي تقف خلفه "كوبسيا" على اطلاق غيره في أربع قرى قريبة. وهناك فائدة أخرى وهي ان المنضمين إلى شبكة "نظام حماية طالبي اللجوء" ويستقبلون أعدادا صغيرة من اللاجئين، لن يتعين عليهم استضافة مركز استقبال كما في بلدة غامباري القريبة حيث يكتظ احد الفنادق بـ120 لاجئا. ومع توافر نحو 26 ألف مكان فقط، تشكل الشبكة جزءا صغيرا من المنظومة الايطالية لاستقبال اللاجئين. وتستقبل ايطاليا أكثر من 176 ألف شخص، يتم اسكانهم بمجموعات كبيرة ما يغضب السكان المحللين، لكن نموذج القرية الهادئة يشكل نجاحا. ويقول رئيس "كوبسيا" ليغي دي فيليبيس إن "سانت أليسيو كان نموذجا مبدئيا" مشيرا إلى إمكانية انتشار المشروع في ايطاليا وغيرها. وأضاف "هناك مناطق واسعة تعاني من قلة عدد السكان في شمال ايطاليا وأماكن أخرى في اوروبا".
مشاركة :