في فبراير 1942 اشتد الخلاف بين المصريين حول تأييدهم للإنجليز أو الألمان، وذلك ضمن المواجهات بين قوى البلدين في الحرب العالمية الثانية، وقتها وصل الأمر إلى خروج مظاهرات يهتف السائرون فيها «إلى الأمام يا روميل». قبلها بعام واحد تمكن القائد الألماني «روميل» من الاستيلاء على مدينة بني غازي الليبية بتغلبه على الإنجليز، قبل أن يتفوق على البريطانيين في منطقة طبرق كذلك، حتى تحفز للتوجه إلى الحدود المصرية لبسط نفوذه. وبدءًا من يوليو وحتى أكتوبر 1942 دارت المعارك بين الإنجليز والألمان، ومع نقص عدد المقاتلين والعتاد في الجيش الألماني قرر «روميل» الانسحاب من منطقة العلمين في شهر نوفمبر من نفس العام. بعد هذه الأحداث بفترة دوّن الصحفي الراحل محمد التابعي بعض خفايا هذه الفترة، مستشهدًا بحديث دار بينه وبين صديق فرنسي له، وهو ما نقله موقع «المدى العراقي». وافتتح «التابعي» مقالته من حديث الرجل الفرنسي الذي حكى: «أقبل عام 1942 وبدأ روميل هجومه في يناير واستخلص مدينة بنغازي من البريطانيين، ثم توالت هجماته وتتابعت هزائم البريطانيين وسقطت طبرق، وانطلق روميل والفيلق الإفريقي صوب دلتا النيل». واستطرد مخاطبًا «التابعي»: «لعلك وأنت صحفي مصري أدرى مني بالإجراءات التي كانت السلطات البريطانية تنوي اتخاذها وتنفيذها في حالة اضطرارها إلى الانسحاب من مصر الى فلسطين والسودان، ولكن هناك إجراء واحد لم يذع سره حتى اليوم». وبدأ الصحفي الراحل في تخمين الإجراء متسائلًا: «إرغام الحكومة المصرية على الخروج مع البريطانيين من مصر لكي تقوم في الخارج حكومة مصر الحرة؟»، لكن الآخر أجابه: «كلا إن البريطانيين لم يلحوا كثيرًا في هذا الشأن، ولكن وزارة الاستعلامات البريطانية ألحت في نقطة واحدة وأمرت رجالها في مصر باتخاذ هذا التدبير مهما كان الثمن ومهما كانت العقبات». ليصمت الطرفين لبرهة قبل أن يعاود الفرنسي حديثه مجيبًا أن القرار الذي أخفاه الإنجليز هو رغبتهم في «خروج أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب من مصر بالرضا أو بالإكراه». وفور سماع «التابعي» لهذا الرد دخلت في نوبة ضحك وارتسمت علامات الدهشة على وجهه، وهو ما استفز الآخر الذي أكمل حديثه: «صدقني هي الحقيقة، لقد كان في نية السلطات البريطانية إذا ما اضطرت إلى الانسحاب من مصر أن تأخذ معها طوعًا أو كرهًا عبدالوهاب وأم كلثوم، لأنها كانت تخشى أن تستغلهما الدعاية الألمانية إلى أبعد حدود الاستغلال». قبل أن يفسر الفرنسي الهدف مما قاله بأن الألمان سيضمنون دعاية ناجحة إذا ما كانوا نجحوا في دخول مصر، لأن إذاعة القاهرة يستمع إليها المصريون والعالم العربي بأسره إذا ما كان «عبدالوهاب» و«أم كلثوم» يغنيان، معتبرًا أن ذلك يندرج تحت بند «حرب الدعاية». وهنا قاطعه «التابعي» وسأله: «من كان يضمن أن أم كلثوم وعبدالوهاب سوف يوافقان على الغناء؟»، ليجيب: «محال أن تكون جادًا في سؤالك هذا وإلا فأنت لا تعرف النازيين، لقد كان أمرًا ممكنًا جدًا أن يجلس عبدالوهاب وأمامه ميكروفون الإذاعة، ووراءه يقف جندي ألماني ينخزه بطرف السونكي إذا توقف عن الغناء».
مشاركة :