لم تكن الانتخابات الرئاسية في فرنسا أكثر إثارة للجدل مثل ما كانت عليه هذا المرة، ولكن ما يميز انتخابات عام 2017، بغض النظر عن الانتخابات السابقة، هو كيف تصرفت وسائل الإعلام الفرنسية الرئيسة من حيث الموضوعية والمعايير العادلة للتغطية. وفي السياق الديمقراطي، ينبغي أن يكون الهدف العام للتغطية الإعلامية خلال الحملة الانتخابية، في نهاية المطاف، نشر معلومات عادلة ونزيهة من خلال التوزيع المتساوي لوقت البث بين جميع المرشحين المشاركين في الانتخابات، فضلاً عن تحليل موضوعي وناقد من خطابات المرشحين مع تجنب معاملة تفضيلية لمرشح على حساب الآخرين. تواجه فرنسا حالياً مشكلات اجتماعية واقتصادية صعبة، توفر للمنصات الإعلامية مواد كافية للتشكيك في توجهات وآراء المرشحين المختلفة، وبدلاً من ذلك تميل التغطية الإعلامية لحملات المرشحين إلى التركيز على الفضائح السياسية والقضايا الهامشية، مثل أسعار ملابس وساعات فرانسوا فيون، أو الهوس اليومي بالسيناريوهات المحتملة بشأن الجولة الثانية من الانتخابات. يحظى المرشح المستقل إيمانويل ماكرون، الذي لم يسبق أن تم اختباره في صندوق الاقتراع، باهتمام إعلامي ملحوظ، إذ أطلقت عليه ألقاب عدة، مثل «مرشح التجديد» و«منقذ فرنسا»، ويتمتع بتغطية إعلامية غير مسبوقة في فرنسا. في المقابل، أشار استطلاع أجرته مؤسسة «فوندابول» في مارس، إلى أن أكثر من نصف الفرنسيين يعتقدون أن وسائل الإعلام تعامل مرشحة اليمين المتطرف بسلبية. كما ادعى مرشح يمين الوسط فرانسوا فيون أنه كان ضحية «إعدام إعلامي»، وأنه واجه «حملة صحافية عنيفة بشكل غير مسبوق». لقد شارك الإعلام في هذه الحملة الانتخابية ليس بصفته محايداً، ولكن بصفته طرفاً وخصماً. صحيح أن العديد من الصحف تحسب على هذا التيار أو ذاك، لكن هذا لا يعني الخروج عن المهنية، وتسليط الضوء على عيوب الآخرين، وكأنهم جاءوا من كوكب آخر. ويشعر الساسة الفرنسيون بأن الصحافة في البلاد أصبحت أكثر تطلباً وحضوراً بعد أن كان الصحافيون أقل تأهباً ويمكن تقييدهم، وبعد أن كان هناك اتفاق راسخ بين الحكومة ووسائط الإعلام يحدد قواعد الاشتباك، فيبدو أنه انهار. لقد انتقلت عدوى الفوضى الانتخابية من الولايات المتحدة إلى فرنسا، حيث شهدت الأولى تدنياً كبيراً في المستوى قبيل انتخاب دونالد ترامب رئيساً، وكان من المفترض ألا تسقط الصحافة الفرنسية في فخ التشهير والتسويق لمشاريع غير واضحة، فهذا البلد لديه تقاليد إعلامية راسخة على مدى عقود، إذ رسمت وسائل الإعلام الرئيسة صورة لماكرون بأنه المرشح الوحيد القادر على مواجهة الخطر الذي تمثله المرشحة المتطرفة مارين لوبان، فهل حسمت هذه الوسائل الأمر قبل أن يدلي الناخب الفرنسي برأيه في الـ23 من أبريل؟
مشاركة :