سد الفجوة بين الأنظمة الحاكمة والشباب يبدأ من تنصيب الفئات الشبابية ليكونوا هم القادة، باعتبارهم من صنعوا التغيير في ثورات الربيع العربي في بلدان عربية.العرب أحمد حافظ [نُشر في 2017/04/18، العدد: 10606، ص(12)]الرهان المجدي على الشباب لم يعد أمام الحكومات العربية، إزاء التطور الهائل في التكنولوجيا الحديثة واستخدامها في نهضة الدول كأساس للتنمية، واتساع رقعة الشباب في المجتمعات، سوى الاعتماد على خبرات هؤلاء، وتمكينهم من تولي المناصب القيادية لاستثمار الطاقات الإبداعية في وضع أسس التنمية المستدامة، وترسيخ دورهم البنّاء في تحقيق مستقبل متميز يلبي طموحات وأحلام جميع الفئات. وليس مقبولًا في القرن الحادي والعشرين، أن يظل عندنا وزراء وقادة مؤسسات لا يجيدون التعامل مع أدنى أدوات العلم الحديث، ولا ممارسة القيادة بطرق مبتكرة تتقارب مع عقليات وآمال الشباب الذين يمثلون نسبة تتعدى الـ60 بالمئة في مجتمعات عربية عديدة. بالنظر إلى تشكيل أكثرية الحكومات في البلدان العربية، يتضح أنها مكونة من وزراء تجاوزوا الخمسين وربما الستين عاما، وفي نفس الوقت يرسمون المستقبل لشخصيات تمثل أكثر من نصف المجتمع لا تزيد أعمارهم على 35 عاما، وبالتالي فإن فارق الفكر والطموح قد يصنع فجوة بين الحاكم والمحكوم. خلصت الكثير من الدراسات إلى أن تمكين الشباب في مراكز قيادية يضمن وجود حالة من الرضا على أداء الحكومات، خاصة وأن القيادة الشابة تبدو قريبة من فكر وطموح ورأي وحلم من تحكمهم وتعمل لخدمتهم، بعكس القيادة المسنة العجوز، التي لا تستطيع النزول بدرجة تفكيرها وطموحها إلى من هم أقل منها عمرا. مشكلة الكثير من الحكومات العربية أنها تنظر إلى تمكين الشباب على أنه مجرد وضعهم في وظائف حكومية كواجهة رمزية وحضارية، بمعنى أن تخصص لهم “كوتة للتوظيف” (حصة محددة)، وهذه نظرة ضيقة الأفق، لأن التمكين يعني أن يكون الشاب هو المفكر والمبدع والمنفذ وصاحب الكلمة العليا.التمكين يتطلب إيمان الحكومات العربية وأصحاب القرار بضرورة توفير البيئة المناسبة لتنشئة الأجيال القادمة أثبتت التجارب أن تنمية الاعتماد على الشباب، وتقديم البرامج التدريبية، وتوفير البيئة الداعمة لإبداعاتهم، ومنحهم فرص القيادة، كانت لذلك كله نتائج إيجابية كثيرة. غير أن ذلك التمكين يتطلب إيمان الكثير من الحكومات العربية وأصحاب القرار بضرورة توفير البيئة المناسبة لتنشئة الأجيال القادمة، بحيث يكون رسم خارطة طريق التنمية المستدامة من خلال الشباب، وإعدادهم ليكونوا قياديين في المستقبل، وأن يكون الشباب في الصفوف الأولى للقيادة. ويقول أصحاب هذا الرأي، إن الشباب أنفسهم لا بد وأن يكون لديهم الحافز لفرض أنفسهم كقادة للمستقبل، بعيدا عن الانتظار لما تخطط له الحكومات، لأن توفر الإرادة السياسية لتمكين الشباب يتطلب أن تكون هناك إرادة موازية من الفئات الشبابية نفسها لإجبار صناع القرار على الاعتماد عليهم. وهنا تأتي أهمية نشر ثقافة العمل القيادي لدى الشباب، وتعزيز مفاهيم التميز الحكومي، وترسيخ قواعد الإبداع والابتكار في العمل، والترويج لأن يكون هناك ربط بين قوة الشباب وسرعة الانتقال إلى المستقبل، مع حتمية إيمان الحكومات بأنها إذا أرادت رفع معدلات التنمية فعليها تحفيز الإبداع عند الشباب. ويقول المناصرون لهذا الرأي، إن سد الفجوة بين الأنظمة الحاكمة والشباب يبدأ من تنصيب الفئات الشبابية ليكونوا هم القادة، باعتبارهم من صنعوا التغيير في ثورات الربيع العربي في بلدان عربية. ويرى هؤلاء، أن الكثير من دول العالم المتقدم استطاعت أن تصنع لنفسها نفوذا سياسيا واقتصاديا من خلال الاعتماد على الشباب ليكونوا هم القادة. ويقولون إن هذا هو ما لجأت إليه مؤخرًا دول عربية، مثل المملكة العربية السعودية، التي اختارت عند تشكيل حكومتها الأخيرة 3 وزراء في الثلاثين من العمر، واثنين في الأربعين، و14 وزيرا في الخمسين، ما جعلها أصغر الحكومات سنا في تاريخ المملكة، ما ساعد على تحقيق زيادة في الإنتاجية، وأتاح لها رسم سياسية ثابتة اقتصاديا وتنمويا تستمر لسنوات، بعدما أدخل هؤلاء الوزراء الشباب أفضل الممارسات في علم الإدارة إليها. ولأن ما جرى في السعودية كان انطلاقا من أوامر ملكية بالحرص على تمكين الشباب من المناصب القيادية، فإن التوسع في تطبيق التمكين بصورة شاملة يحتاج إلى إرادة سياسية، تؤمن بالفكرة، ويكون لديها الحافز للتطبيق بدافع الإيمان وليس بمجرد تخصيص “كوتة” للشباب في الوظائف. ولا يقتصر الإيمان بقدرات الشباب على اختيار أعداد قليلة منهم في مناصب حكومية لأجل الوجاهة، بل يجب أن يكون هناك إيمان حقيقي بأنهم قادرون على صناعة المستقبل.
مشاركة :