يعود الجدل ليدور حول قضية الاستجوابات في الوقت الحالي، وهل تجدي الاستجوابات نفعاً أم أنها جعجعة بلا طحن؟ وهل المجلس الحالي ببدايته في الاستجوابات والتساؤلات سيعطل المشروعات والإنجازات الحكومية ويوقف مسيرة التنمية أم أنه بذلك يحافظ على المسار الصحيح، ويكتشف المخالفات ويقوم بدوره الرقابي الصحيح لمعالجة الأخطاء ورصد المخالفات، ليكون بذلك عين الشعب اليقظة الساهرة التي تحافظ على حقوق الأمة وثوابتها؟ ولكي نحسم الجدل يمكننا أن نعرض مجموعة من النقاط تستطيع بعدها عزيزي القارئ التقرير والوصول الى جواب...بدايةً فإن دور مجلس الأمة يدور ما بين فلكي الدور التشريعي والدور الرقابي، ومن ثم فإن جزءاً أصيلاً ومحورياً من وظائف المجلس، هو القيام بالرقابة على أعمال الحكومة، ومن ثم سؤال أعضاء الحكومة أو استجوابهم حول القضايا والمسائل التي يرى أعضاء المجلس أنها تمثل خرقاً أو مخالفة للدستور أو القانون. من هنا يتضح أن الدور الرقابي هو ركن لا غنى عنه للمجلس، لأنه بغياب الدور الرقابي للمجلس، يكون بذلك قد افتقد احد ركنيه الأساسيين، ومن ثم فلا جدوى من وجوده أصلاً.في الاتجاه المقابل، قد يدفع البعض بالقول ان الاستجوابات لم ولن تقدم نفعاً في الكثير من الأمور والقضايا، وأنها فقط تثير الخلافات والمشكلات، وتعطل مسيرة التنمية، وتلهي الحكومة وأعضاءها في الخوف من الأسئلة البرلمانية والاستجوابات، ما يجعل المسؤول أو الوزير مشغولاً عن دوره التنفيذي معطلاً عن إنجاز العديد من المشروعات التي ينبغي تنفيذها؛لكن هذا الدفع يمكن الرد عليه من خلال الكثير من النقاط وتفنيد جوانبه، فبدايةً ومن خلال دراستي للقانون العام وبشكل خاص لأدوات الرقابة البرلمانية في النظام الكويتي، أؤكد أن الأسئلة البرلمانية والاستجوابات وغيرها من أدوات الرقابة البرلمانية، كان ولا يزال لها دورها الفعال في الحياة السياسية الكويتية، وسجلات مجلس الأمة حافلة بالعديد من الحالات التي تؤكد فعالية الأدوات الرقابة البرلمانية ودورها في تصحيح المسار الحكومي والمحاسبة على المخالفات - رغم اعتراف المتخصصين في المجال القانوني بحاجة أدوات الرقابة الى مزيد من الفعاليات والصلاحيات - والعديد من الدراسات قد تناولت العديد من الحالات والقضايا لمجلس الأمة والتي لا يتسع المجال لذكرها خلال هذه السطور.وفي حال رغبتك في التوسع فيمكنك عزيزي القارئ الرجوع الى دراسة الأسئلة البرلمانية في الكويت، ودراسة أدوات الرقابة واستخدامها في البرلمانات العربية، ودراسة التحقيق البرلماني، ودراسة التحقيق البرلماني وتطبيقاته في دولة الكويت.أما عن فكرة أن الأسئلة البرلمانية والاستجوابات تعطل أعمال الحكومة وانجازاتها، فأعتقد أنه خلال السنوات السابقة قد مرت الأمور بسلام بين الحكومة والمجلس؛ بل ان الأمور وصلت إلى حد غير مسبوق من التوافق والصفاء ما بين المجلس والحكومة الى حد قد يصل إلى المصاهرة الكاثوليكية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الكويت. ومع ذلك فلم يستفد المواطن بهذا التوافق، ولم تظهر على الوطن بشارات هذا الود، فلقد أبطل المجلس السابق هذه الحجة، واتضح بما لا يدع أي مجال للشك أن مسألة التوافق ما بين المجلس والحكومة ما هي إلا حجة لتفضيل المصالح الخاصة على مصلحة الوطن، وسلب لدور محوري من أدوار المجلس، والدليل على ذلك ما نراه الآن من ظهور العديد من المخالفات على يد أعضاء المجلس الحالي، كان مسكوتاً عنها ولم يقدم فيها أي سؤال ولا استجواب أو حتى سلام من المجلس السابق.أما الأمر الأخير والخاص بأن الأسئلة البرلمانية والاستجوابات تشغل الوزير أو المسؤول عن دوره التنفيذي، فيكفينا هنا الرد بالمثل القائل «امش عدل يحتار عدوك فيك».باختصار يا سادة، فإن الأسئلة البرلمانية والتحقيق وغيرهما من أدوات الرقابة البرلمانية، هي حق وركن أصيل من أدوات الرقابة البرلمانية لمجلس الأمة، وهي ذات جدوى ونفع كبير في الحفاظ على المال العام وحقوق الشعب ومقدساته، وإن رأيتم أنها لا تجدي نفعاً أو لا تقدم جديداً، فلا داعي من وجود مجلس الأمة من الأساس، لأنه بغياب دوره تنعدم قيمته... افهموا واعقلوا يرحمكم الله.
مشاركة :