انتهاء عصر الطفرة النفطية يهدد رفاهية مواطني النرويج

  • 5/9/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بدأ عصر الرواج النفطي في النرويج يتلاشي قبل سنوات من المتوقع لينكشف اقتصاد غير مستعد للحياة بعد النفط مما يهدد قدرة أسخى نظم دولة الرفاه في العالم على الاستمرار في الأجل الطويل. وأدى ارتفاع الإنفاق في القطاع النفطي إلى ارتفاع الأجور وغيرها من التكاليف إلى مستويات غير قابلة للاستمرار لا في صناعة النفط والغاز وحدها، بل في كل القطاعات وأصبح ذلك الآن يمثل عبئا على المزيد من الاستثمار في قطاع الطاقة. وتواجه الشركات النرويجية خارج القطاع النفطي صعوبات في التعامل مع الركود الذي ترتب على ذلك في الاقتصاد النرويجي، وربما يكون في الأسلوب الذي ستواجه به البلاد لعنة الثروة النفطية التي جلبت معها الاعتماد التام عليها. وكانت النرويج تملك من الحكمة والبصيرة ما جعلها تدخر 860 مليار دولار لحين الحاجة إليها، ويعادل هذا المبلغ 170 ألف دولار لكل رجل وامرأة وطفل في البلاد كما حققت النرويج فوائض ضخمة في الميزانية وتتمتع بتصنيف ائتماني ممتاز وانخفاض معدل البطالة ولذلك فليس وشيكا أن تشهد تراجعا ملموسا في أدائها الاقتصادي. لكن التكلفة ارتفعت والمصدرين في القطاعات غير النفطية يواجهون صعوبات كما أن الحكومة ستنفق هذا العام 20 مليار دولار من أموال النفط زيادة على ما أنفقته في عام 2007 وقد لا يهيئ نموذج الرفاه السخي الذي يعتمد على استمرار تدفق الإيرادات من ضرائب النفط النرويجيين لأوقات صعبة مستقبلا. وقال هانز هافدال الرئيس التنفيذي لشركة كونجسبرج أوتوموتيف لصناعة أجزاء السيارات إن الأمن الوظيفي في النرويج يبدو مسألة مسلما بها تماما مثل حق الإنسان في الوظيفة. ولم يبق لشركة كونجسبرج أوتوموتيف في النرويج سوى 5 في المائة من عمالها لأنها نقلت الإنتاج إلى أماكن مثل المكسيك والصين والولايات المتحدة ولم تبق في النرويج سوى الوظائف التي تستخدم التكنولوجيا المتقدمة والتي تعمل بالنظم الآلية، وتواجه الشركة ارتفاع تكاليف العمالة بل ومشاكل مثل الإفراط في الإجازات المرضية. وأضاف هافدال أنه أمر محبط بعض الشيء أن الإجازة المرضية في النرويج تبلغ مثلي مستواها في مصانع أخرى، وهذا بالنسبة لي مؤشر على وجود خطأ ما ولأن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي يعادل نحو 100 ألف دولار فإن أسلوب الحياة تطور في النرويج بحيث أصبح عدد ساعات العمل أسبوعيا أقل من 33 ساعة في المتوسط وهو أقل مستوى في العالم، في حين ظل معدل البطالة منخفضا وظلت نسبة كبيرة من الكفاءات غير مستغلة بفضل الإعانات التي تمنحها الدولة. وفي عام 2012 دخلت كلمة جديدة القاموس النرويجي هي (‭‭nave‬‬) أي العيش على الإعانات التي تمنحها الوكالة الرسمية المختصة (ناف)، وقدر سيف ينسن وزير المالية أن 600 ألف نرويجي تقريبا يجب أن يكونوا جزءا من قوة العمل لكنهم خارج قوة العمل بسبب مسائل الرفاه والمعاشات. ويقول بعض مديري الشركات والمسؤولون الحكوميون إن النرويج تحتاج إلى ربط الزيادة في الأجور بالإنتاجية والحد من نمو التكلفة النفطية وخفض الضرائب مثلما فعلت الدول المجاورة وتقليل الإنفاق من أموال النفط، بل إن البعض يطالب بخفض قيمة عملتها. وتركزت البراهين التي بنى الحزب الوطني الاسكتلندي عليها مطالبته بالاستقلال على إمكانية أن تكرر اسكتلندا النجاح الذي حققه الاقتصاد النفطي في النرويج وتمثل في تأسيس صندوق ثروة للأجيال المقبلة في حين تظل الخزانة العامة معتمدة جزئيا على النفط والغاز. ولسوء الحظ بالنسبة لاسكتلندا فإن أوج إنتاج النفط والغاز البريطاني قد انتهى وأصبح الإنتاج من بحر الشمال نحو ثلثي ما كان عليه إبان الذروة النفطية، فقد كانت بريطانيا مصدرا صافيا للنفط والغاز حتى مطلع القرن الحادي والعشرين وأصبحت تستورد نصف احتياجاتها تقريبا في العام الحالي أغلبها من النرويج، وسترتفع النسبة إلى الثلثين بحلول 2026. وشهدت أحوال صناعة النفط التي تمثل خمس الاقتصاد النرويجي تقلبات حادة مع تراجع نمو الصناعة على المستوى العالمي، وارتفعت التكاليف وزاد الإنفاق الاستثماري لدرجة أن شركات الطاقة بدأت تبيع أصولها لسداد التوزيعات النقدية، ومع توقع انخفاض أسعار النفط هذا العام والعام المقبل أصبح الإقبال على الاستثمار منخفضا. وبعد أن زادت الاستثمارات لثلاثة أمثالها على مدى العقد الأخير أصبح من المتوقع الآن أن تنخفض في السنوات المقبلة بما يخالف التوقعات السابقة بزيادتها باطراد في حين يظل إنتاج النفط مستقرا رغم سنوات الإنفاق الكثيف. ووفقاً لـ "رويترز"، تعمل شركات الطاقة على تقليص بعض مشروعاتها المبتكرة وهو ما يمثل مصدر قلق رئيسي إذ إن القطاع اعتمد على الابتكار لخفض التكاليف المرتفعة، وكشف تورد لين وزير النفط أنه من المحتمل أن تكون فترة الازدهار قد انتهت، لكن لسنا مقبلين على انخفاض حاد في الاستثمارات أو الإنتاج، والتكاليف ترتفع كثيرا وبسرعة كبيرة. وألغت شركة شل مشروعا للغاز باستثمارات تبلغ عدة مليارات من الدولارات كان يعتبر خطوة صوب الإنتاج البحري دون منصات إنتاج وذلك بعد أن ارتفعت تكاليف مشروع تجريبي لسبعة أمثاله مقارنة بالتقديرات الأولية، وكان من المقرر أن تثبت كل المعدات على قاع البحر بما في ذلك أعمال الضغط على أن يكون مصدر الطاقة على الشاطئ وهو ما يمثل قفزة تكنولوجية. وقامت شركة النفط الوطنية المملوكة للدولة شتات أويل بخفض الإنفاق واستبعدت مشروعات متقدمة مثل استخدام منصة قطبية كان من الممكن أن تواصل عملها في جليد سمكه متران. والنرويج هي سابع أكبر مصدر للنفط في العالم كما أنها تورد خمس احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز وهو وضع له حساسيته خاصة في ضوء التوترات مع موسكو بسبب أوكرانيا والتي ألقت بظلالها على الإمدادات الروسية. وتفخر النرويج أيضا بأعلى معدل للناتج المحلي الإجمالي مقابل ساعات العمل وفق بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن إنتاجية العامل انخفضت منذ عام 2007، كما أن تكلفة العمالة ارتفعت بوتيرة تعادل ستة أمثالها في ألمانيا تقريبا منذ عام 2000. وذكر نوت أنتون مورك الاقتصادي في بنك هاندلسبانكن أن على النرويج أن تتحرك إذا كان لها أن تتفادى الركود، فالوفرة النفطية انتهت، والدولة تحتاج إلى إعادة موازنة وضعها إلى مستويات أكثر قدرة على الاستمرار وهو ما يمكن عمله إما من خلال خفض اسمي لقيمة العملة أو من خلال تخفيض داخلي للأجور، وإذا لم يتم إجراء التعديلات الضرورية فقد تجد النرويج نفسها في أزمة هيكلية مماثلة للأزمة التي واجهتها فنلندا بعد نوكيا. وكانت نوكيا في أوجها تمثل ما يقرب من خمس صادرات فنلندا وربع إيراداتها الضريبية من الشركات قبل تراجعها السريع بسبب منافسة شركات أخرى في سوق الهواتف الذكية. وكمثال فقد خفضت السويد إعانات المرض والبطالة وخفضت ضرائب الدخل والثروة والشركات، وانخفض العبء الضريبي في السويد بأربع نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي ليتراجع عنه في فرنسا، لكن من المستبعد تطبيق مثل هذا التعديل في الأجور في الأجل القريب. وتخالف الاتحادات العمالية الرأي مع ما يقال من أن البلاد تواجه مشكلة قدرة تنافسية، وقد أضرب عمال الصناعة عن العمل في نيسان (أبريل) حتى حصلوا على امتيازات في اللحظات الأخيرة.

مشاركة :