سفينة العالم بلا ربّان

  • 4/20/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كمال بالهاديأثار استخدام روسيا «الفيتو» ضدّ قرار فرنسي بريطاني يدين استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، جدلاً واسعاً. وأعاد للأذهان مسألة القرار الدولي المشترك وتأثيره على مصالح الدول، خاصّة أن لعبة استخدام حق النقض «الفيتو» ليست جديدة، وقد ساهمت في أكثر من مرة في توتر الوضع الدولي، وفي خلق أزمات عنيفة..منذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة استخدمت الولايات المتحدة حقّ النقض في 79 مرّة وكانت أغلبها لصالح الكيان الصهيوني، وضدّ القضيّة الفلسطينية. أما روسيا فقد استخدمت حق النقض أكثر من 120 مرة أكثرها كان في عهد الاتحاد السوفييتي السابق، واستخدمت بريطانيا هذا الحق 32 مرة وفرنسا 18 مرة والصيّن هي أقل الدول الأعضاء الدائمين استخداماً للفيتو بواقع ثماني مرات فقط. الواضح أنّ الخلافات بين القوى العظمى الخمس التي استحوذت على التحكم في القرار الدولي منذ العام 1945، يثبت أن إدارة الأزمات الدولية، لا يتمّ وفق مصالح الشعوب وحقها في تقرير المصير، مثلما تنص على ذلك مواثيق تأسيس المنظمة الأممية، بل يتمّ في ضوء مصالح تلك الدول فقط. وإذا ما حفظنا الدرس عن ظهر قلب من الفيتو الأمريكي فيما يخص القضية الفلسطينية العادلة والإنسانية، فإن ذلك الفيتو المتكرر، ينفي صفة الإنسانية عن تلك القرارات التي تتخذ. وقد رأينا في العام 2003، كيف داست الولايات المتحدة على مجلس الأمن الدولي، وذهبت لاحتلال العراق، دون أي سند دولي ودون أي شرعية دولية. ففي منطقة الشرق الأوسط هناك من المغريات ما يدفع القوى العظمى لاستخدام القانون الدولي لفرض مصالحها فرضاً، دون أي اعتبار لحقوق الإنسان في تلك المنطقة. فلو فرضنا جدلاً أن النظام السوري غير مسؤول عن استعمال الأسلحة الكيماوية، فلماذا تعارض روسيا تحقيقاً دولياً قد يؤدّي إلى كشف الحقائق، ويعطي للسوريين المسحوقين في هذا الصراع الدولي شيئاً ولو بسيطاً من حقوقهم؟ ولكن الولايات المتحدة التي انتقدت الفيتو الروسي، ألم تقف هي نفسها ضدّ «محرقة» مخيّم جنين (2002)، وضدّ كل الجرائم الصهيونية التي نفذتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948؟. إنّ الإنسان العربي، هو الضحية في كل الحالات، وهو ضحيّة من يقودون العالم، والوضع سيزداد سوءاً مع ارتقاء قادة جدد، لا يعترفون بالحد الأدنى للعقلانية السياسية. فالرئيس الأمريكي الجديد الذي يقود سفينة بلاده ويجر من ورائها بقية القوى الدولية، نجح في شيء وحيد إلى حد الآن، وهو حشر كل الأطراف «حلفاء وخصوم» في زاوية الشك والغموض. فحتى أعتى مراكز التحليل السياسي مثل «معهد واشنطن» و«معهد كارينغي»، تصرّ على أنّ الرئيس الأمريكي ترامب، هو أكثر رؤساء أمريكا غموضاً، لأنّه لا يتخذ مواقفه ضمن خطط استراتيجية واضحة المعالم، بل إنه يبني تحرّكاته إلى حد الآن عبر قرارات تصدم حتى المقربين منه. فلا أحد كان يظنّ أن ترامب سيقوم بقصف مطار الشعيرات، وهو الذين أوحى قبل أيام قليلة بأنه يقبل بسياسة الأمر الواقع، ويقبل ببقاء الأسد على رأس النظام في سوريا. بعد أيام قليلة يوجه ترامب بوارجه إلى سواحل كوريا الشمالية، ويقول إن بيونغ يانغ «مشكلة، ستتم معالجتها»، ولكن لا أحد يعرف مدى فهم ترامب لمصطلح المشكلة؟ وإلى أي حدّ يمكنه أن يمضي في حل تلك المشكلة؟ وهل سيستعمل أسلوب المناورة والمفاجأة، في حل تلك المشكلة، مثلما فعل في سوريا، حتى يقتنع نظام كوريا الشمالية أن الرئيس الأمريكي الجديد، لا يمزح، وأنه بمقدوره توجيه ضربات مباشرة ضد أهداف حيوية كورية شمالية، تجعل الأخيرة تعود إلى «رشدها»، وتكف عن سياسة الاستفزاز التي ظلت تمارسها طوال حكم باراك أوباما؟. وهل يغامر ترامب بتوتير العلاقة مع بكين بعد أن وتر العلاقة مع موسكو؟. الحقيقة أن ترامب يسعى إلى إثبات أن أمريكا الحالية ليست هي التي كانت قبل 20 يناير 2017، وأنّه مستعد لاتخاذ أي خطوة من أجل إثبات هذا النهج الجديد. ولكن هل تسلم الجرة في كل مرة؟ فإذا ما قبضت روسيا على الجمرة في الخطوة التي أقدم عليها ترامب في المرة الأولى، فإنه لا أحد سيضمن صمتاً روسياً في المرة القادمة. والحال ذاته في الملف الكوري الشمالي، فنظام بيونغ يانغ، يهدد بأنه لن يتأخر في دخول حرب شاملة مع أمريكا إذا ما أقدمت واشنطن على توجيه رصاصة واحدة إلى كوريا الشيوعية. الواضح أن مفهوم الشرعية الدولية، قد تُرِكَ جانباً، في ظل هذه القيادات التي لا تؤمن إلا بمصالحها. لذلك طالبت عدة دول، بعد احتلال العراق بضرورة إصلاح المنظمة الأممية، وتوسيع عدد أعضاء مجلس الأمن الدائمين، من أجل ضمان تمثيلية دولية عادلة. ولكن مشاريع الإصلاح سقطت، وظلت السفينة الدولية تسير دون ربّان، في زمن العواصف والتقلبات الشديدة. belhedi18@gmail.com

مشاركة :