القيمون على التحالف الشيعي لا يقبلون إدانة وزير شيعي حتى لو ملأ الأرض فسادا وخرابا، ثم يطلع أحدهم علينا ويقول تعالوا نعقد مصالحة، الشيعة يحكمون ويسرقون، وأنتم تتفرجون وتصفقون.العرب هارون محمد [نُشر في 2017/04/20، العدد: 10608، ص(8)] توهّم النائب عواد العوادي بأن ملفات الفساد التي أمضى ستة أشهر في متابعتها وجمعها ستسقط حكومة حيدر العبادي بكاملها ولا وزيرة الصحة عديلة حمود لوحدها، دون أن يدرك وهو البرلماني العارف بما يدور في الأقبية وخلف الكواليس، بأن الوزراء الشيعة من أتباع نوري المالكي وائتـلاف دولة القانون، معصومون عن الخطأ وعصيون على الإقـالة، لا يمكن المساس بهم، حتى لو قدم أطنانا من الوثائق والأرقام التي تكشف انحرافهم وتفضح سرقاتهم. لقد أفسد نوري المالكي الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد وقوّض البقية الباقية من القيم والأعراف، لأنه ليس سياسيا بالمعنى المتعارف عليه، وإنما هو حاضنة تجمع مخربين يتعاطون مع العراق كمزرعة يقطفون ثمارها ويستحوذون على إيراداتها. ولعلها من المضحكات المبكيات في العمل السياسي أن يجتمع التحالف الشيعي باستثناء التيار الصدري، قبل استجواب وزيرة الصحة عديلة حمود برلمـانيا، ويعد لها أجوبتها على أسئلـة واستفسارات النائب المستجوب، ويقوي قلبها ويدربها على كيفية مواجهته، ولكن رغم ذلك أخفقت الوزيرة في بيان الأسباب التي دعتها إلى استيراد سلال بلاستيكية للنفايات من شركة لبنانية يملكها مقربون من حزب الله بمبلغ أربعة ملايين ونصف مليون دولار، بينما يركن على مكتبها عرض من مصنع ألماني لصنع الآلاف من السلال في اليوم الواحد قيمته مع مستلزمات نصبه في حدود مليون يورو. والفضيحة الكبرى أن عديلة حاولت تبرير استيراد شحنة من النعل الطبية ومفردها (نعال) بقيمة 900 مليون دينار، بأن هذه السلعة لا وجود لها في العراق في حين أبرز النائب الذي استجوبها نماذج منها تباع في الصيدليات والأسواق لو اشتريت الكمية المستوردة منها لما كلفت وزارة الصحة غير عشر المبلغ الإجمالي المدفوع لشرائها من الخارج. أما تصرفات الوزيرة (العلوية) في التعيينات فقد أوضح الاستجواب أن وزارة الصحة باتت في عهدها ضيعة تابعة لـ”آل حمود”، حيث عمدت إلى تعيين أشقائها وأصهارها وأقاربها وأقارب زوجها في ديوان الوزارة ومديرياتها في المحافظات بعيدا عن الشروط والضوابط الوظيفية، ومع ذلك فإن التحالف الشيعي عد هذه التعيينات شرعية ولا غبار عليها ما دامت من صلاحيات الوزيرة التي من حقها تعيين من تشاء وفق اجتهادها. والغريب أن التحالف الشيعي اجتمع مرة أخرى بعد استجواب الوزيرة واتخذ قرارا طلب بموجبه من نواب التحالف أن يتضامنوا مع الوزيرة (المظلومة) ويتصدوا لمسألة إقالتها، على اعتبار أن أجوبتها كانت كافية وشافية، أما ملفات الفساد الثابتة عليها فهي أخطاء بسيطة نتجت لأنها وزيرة تعمل بنشاط وجدية، وتنطبق عليها نظرية “من يعمل يخطئ” رغم أن هذه الأخطاء كلفت الميزانية العامة الملايين من الدولارات. وواضح أن المعايير الطائفية والعرقية امتدت إلى قضايا استجواب الوزراء، ولكن بشرط ألا تقود إلى إقالة الوزراء الشيعة بدليل أن عمليتي استجواب وزير الدفاع السني خالد العبيدي وزميله وزير المالية الكردي هوشيار زيباري، أدتا إلى إقالة الوزيرين بسهولة رغم أنهما، وهذا ليس دفاعا عنهما، كشفا عن ملفات فساد كبرى أبطالها نـواب ووزراء وأصحاب بنـوك خاصة وتحويلات مالية هائلة هربت إلى خارج العراق، بينما الوزيرة عديلة عادت إلى مقر عملها منتصرة مع أن ملف الفساد الذي ثبت عليها يكفي لإقالتها وإحالتها إلى القضاء. والمثير أن رئيس الحكومة حيدر العبادي يعرف أكثر من غيره حجم المخالفات في وزارة الصحة وسبق أن أصدر قرارا بإقالة الوزيرة عديلة من منصبها، إلا أنها تحدته ورفضت مغادرة الوزارة، بل إنها أصدرت بيانا أعلنت فيه أنها لن تنفذ قرار رئيس الوزراء الذي وصفته بأنه مخالف للدستور والتزم العبادي الصمت. انتصرت عديلة وهزمت الاستجواب البرلماني ليس بالعدل ولا بالقانون، وإنما بدعم نوري المالكي ومساندة خضير الخزاعي وتأييد عمار الحكيم، واحتضان قادة الحشد الشعبي لها، فهؤلاء القيمون على التحالف الشيعي لا يقبلون إدانة وزير شيعي حتى لو ملأ الأرض فسادا وخرابا، ثم يطلع أحدهم علينا ويقول “تعالوا نعقد مصالحة، الشيعة يحكمون ويسرقون، وأنتم تتفرجون وتصفقون”. كاتب عراقيهارون محمد
مشاركة :