إن التقدم الذي حققته العلوم لم يترك مجالاً للشك، و لم يضرها التعميم بل نفعها، باستثناء الحالات التي يتواجد الإنسان بها، ولعلنا هنا نكشف المغالطة الناتجة عن التعميم المتسرع، والإشارة إلى الخلل الذي يحدثه الطابع المتسرع. وبالفعل فإن الصعوبة تكمن في فهم العلاقة بين الناشر والخبر، وبين المقصود ومحدد حجم المعلومة، والمأزق الذي يقع فيه الكثير هو تداول القصص التي تُحاك ضد العامة، ودلالاتها العميقة فلو عرضنا بعض التمارين كمسألة بسيطة جداً، وسلطنا الضوء على بعض ما جاء في هذا المنهج من كتاب ا لتلاميذ السنة الثالثة من التعليم الثانوي في تونس، والتنبيه بضرورة الوعي بالمغالطات والتي بمقتضاها يصبح الفرد قادراً على كشفها: (ففي المثال الأول: الزواج من الأجنبيات فاشل، الجواب: نعم نحن إزاء تعميم متسرع. وفي المثال الثاني. أبناء هذا الجيل غير متخلفين، إذن فنحن إزاء تعميم متسرع. وفي المثال الثالث: الرياضة لا تنفع الجسم، العينة هنا أن عداء مات بالسكتة القلبية أثناء العدو)، فالتعميم هنا حكم قاطع نال من الرياضة وزج بجملة أسباب بعيدة عن الصواب، واشترك في تركيب شائعة خارجة عن قياس العقل، وغرض غير سليم نشره بين الناس.، فالتعميم هنا خلف أثراً سلبياً على الرياضة بوجه عام، وما يُقال خارج الملعب أكثر إثارة من الرياضة داخل الملعب، مما جعل تراجع الأندية واضحاً، والمستويات متدنية، وبعض الفرق الكبيرة هبطت إلى الدرجة الأولى، وهذا دليل يقيني، لأن التعميم المتسرع ألحق بالأفراد ضرراً نفسياً، وارتفعت درجات التعصب كثيراً، وأصبح السجال في ملعب الإعلاميين ورؤساء الأندية، والجمهور يشجع الأسماء فقط وليست اللعبة لذاتها. ولو نظرنا إلى تلك الأمثلة بعين العقل، ودون أحكام متسرعة، لقلنا إن بوسع الشكل المطروح أن يتلاءم مع المعارف الاجتماعية والتحولات العلمية، التي أشرقت شمسها بين الناس، وتكونت منها مواد متنوعة لها تواريخ وسرعات متباينة، وتنمية القدرة على إدراك الواقع، يرفع من قيمة الوعي بالمغالطات، والتعميم العشوائي، وقد يقلص كثيراً من الإشكالية. إن غياب الوعي الثقافي يغيب معه الإنسان، وكذلك السمو والرفعة التي تؤهل للخوض في مجتمع إنساني شفاف، (أما من منظور أنثروبولوجي فهي، حسب تعريف هرز كوفيتش، كل ما في المحيط من فعل الإنسان، أي مختلف التقنيات والفنون والمعتقدات والعادات والتقاليد والقوانين والمعايير التي تحدد علاقة الإنسان بالطبيعة والإنسان بالإنسان داخل المجتمع ). فليست الثقافة تطوراً كاذباً، ولقاءات منسقة وكلمات منمقه، وأساليب لها خصوصية لتنفي غيرها من القناعات والتوجهات، فإن الإحباط الذي يشاهده المجتمع اليوم من الإعلام الرياضي، والخصومة المعلنة ساهمت في إثراء التعصب، والتطاول، وخلق فوضى، وحكم متسرع، يعطل تحالف الثقافة مع أهدافها، وعمل على إقصاء المساهمة الخلاقة في المجتمع. وإن الاضطلاع بمهمة البناء أفضل كثيراً من الانصراف إلى بذل الجهد في الهدم، فالتفاوت بين وجهات النظر من الاختلاف المحمود، دون المساس بالأسس التي رسخت سياستها وأنشأت نشاطها الدولة، فاشتغال الناس ببعضها عطل قطار التنمية، وأوجد فجوات ممتلئة بالظلام، فشرط الازدهار سلامة الوعي والقيمة الأخلاقية، وترك المغالطات بعيدا عن دائرة العلاقة المثالية بالناس.
مشاركة :