تقاسيم - دوائر خلافات صفرية!

  • 4/23/2017
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

يتميز الاختلاف بأنه يضعنا دوماً إزاء خيط رفيع وحاد، خلافاتنا تتحول بفعل المتعصبين والمتشددين والخائفين على الشعبية والجماهيرية لمباريات ساخنة لا تقبل أنصاف الحلول، وليت أن السخونة تتوقف عند حدة الرأي والطرح، لكنها تتجاوز فتقدم لنا من ألفاظ السوق والشارع ما يجعلنا نثق تماماً بأن الأدوات التي اشتغل عليها المتشنجون هي أدوات ذات رأي أحادي وعمل جماعي خادم لمصالح معروفة لا تخفى على واعٍ ولم أحضر هنا للكتابة من أجلها. تخيل أن تختلف مع أحدهم وهو يصف نفسه كما يحب لا كما نحب، ويرى شخصه وصياً على العقول، ملماً بما يحيط بنا وما يخطط له الآخرون ويستخدم عبارات دالة على ثقل المحتوى وعمق التجربة وقدرته البارعة في الحوار واستيعاب أدب الاختلاف. تخيل إبداعه حين يصف مخالفيه فيقول أنهم «كاذبون، ينفذون أجندات أخرى، ذوو فكر أجوف، يعانون سقوطاً فكرياً»، وما الى ذلك من جمل التصنيف الشهيرة. عَجْزنا عن ضبط الحضور الشخصي أثناء الخلاف أو المناظرة دليل فقر في المحتوى ومؤشر الى أن الألم استوجب قدراً هائلاً من الصراخ، فضلاً عن المفصل الأدق وهو أن التأثير الكبير لما وراء أوراق الخلاف يتطلب التضحية بأي شيء وقول أي شيء. وإذا ما سلمنا بأن هناك قطيعاً بشرياً يمكنه أن يسير مغمض العينين خلف الآراء الأحادية الطرح لكون عقله في إجازة حتى إشعار آخر ولأنه تعلم أن لا يسأل ولا يناقش ويستمع بصمت وينصت لأساليب التلقين والحشو، يتفنن أوصياء العقول في إزاحة الجميع من أجل الانتصار في كل المواقف والخلافات، ومن لوازم الإزاحة تصفية الباحثين والمتسائلين والشاكين. وليت أن هذه التصفية تعمد الى تعبئة فراغ الإجابة والوقوف على دائرة الخلاف لا الخروج الدائم عنها وإحضار المخاوف والشكوك والتهديدات ورمي التهم الطازجة وإقناع البسطاء والعامة بأن كل من يأتي بسطر لا يوافق المعتاد ويخالف السائد فهو منحل خائن راغب في إسقاط المبادئ وحل المجتمع وجره إلى الهاوية. ما يعجبني في دوائر الاختلاف الاجتماعية أن فيها من يؤمن ويقدس ويغرق مع صاحب الصوت الأعلى على حساب منطقية الطرح، ويندفع مع ذي الإطلالة المغرية والقدرة البارعة على اللعب بالألفاظ وتجييش المشاعر والعواطف انطلاقاً من مشكلتنا الكبرى وهي طغيان العاطفة على العقل، فحين يأتي من هو بارع في اللعب على إشباع هذا العلو ولو بالكلام فثمة انقياد عجيب له، وتضحية مذهلة تصل إلى الدفاع عنه مهما قال ومهما فعل، وتذهب من بعد ذلك الى ما تظنه جهاداً لحظة الدفاع عنه، حتى وإن كان ما يأتي به من التناقضات كافياً لتشنج عضلات التفكير تماماً فنعيش دوماً في دائرة مغلقة مستفزة من الخلافات والصراعات المملة المنتهية بـ «صفر مكعّب».

مشاركة :