الوجع الأقسى كان إيران، حيث أثبتت الأربعة عقود الماضية التي أعقبت الثورة الإيرانية ومجيء الخميني إلى السلطة أن الشعوب العربية ومنها الخليجية لديها الكثير من الضعف في البناء الفكري لصد التدخلات الخارجية التي عملت إيران عليها خلال عقودها الماضية.. هذه العبارة والتي اختارها عنواناً لمقالي، هي من إبداعات شكسبير العظيمة، ولكني سوف أسقطها في زاوية التحليل السياسي حيث تعجز النصيحة غالباً مهما كان نوعها في الوصول إلا عندما تتحول إلى وجع مؤلم ووخز جديد مقلق، ولعل السؤال المباشر هنا يقول ما الذي تعلمناه بالوجع ولم نتعلمه بالنصحية وتحديداً في الدول الخليجية التي مرت خلال السنوات السبع الماضية بتجارب متعددة تنوعت موضوعاتها بين الاقتصاد والسياسية والمجتمع والقوة العسكرية..إلخ. ما الذي يمكن أن تفعله الدول الخليجية لكي تعزز من مكانتها ودورها واستقرارها وتنمية شعوبها واستثمار مواردها البشرية والطبيعية بشكل فاعل وإيجابي..؟، هذا السؤال مهم لمناقشة المستقبل الذي لم يعد التطلع إليه مجرد حلم إعلامي فالواقع يفرض الكثير من التحولات الجذرية، فطبيعة الاستجابة الخليجية بدوله الست تجاه الانتفاضات العربية تنوعت بين مستويات متقدمة ومستويات متحفظة وهذا التباين أثبت عدم فاعليته بعد سبع سنوات من الثورات العربية وظهر ذلك بوضوح في القضية اليمينة. الثورات العربية شكلت نمطاً ثورياً مختلفاً ميالاً إلى تجديد السلطة وتكريس المطالب الفردانية أكثر من ميلة الى تكريس الشعارات القومية او شعارات الإسلام السياسي، هذا النمط أربك المشهد السياسي في الدول الخليجية والعالم ايضا وتحديداً في كيفية قراءة هذه الثورات التي كان الخوف من انتشارها بشكل عشوائي عاملاً مهماً في الحالة السياسية التي عاشتها المنطقة. الموقف الأميركي خلال الثورات العربية وقع بين مصالح استراتيجية وقيم أميركية متكررة، والحقيقة أن أوباما لم يكن مستعداً لمثل هذه المفاجأة في منطقة حيوية تجتمع فيها مصالح عالمية، حاول أوباما ان يكون معتدلا وواقعيا في تعامله مع المنطقة الثائرة ولكنه ارتكب أخطاء كبيرة نتيجة ان كل معتقداته حول الاعتدال والمنطق لم تكن صحيحة في هذا الموقع. الوجع الأول للمنطقة وخاصة الدول الخليجية جاء من أميركا حليف المنطقة التاريخي حيث ظهرت أميركا بشكل مختلف حتى مع اكبر حلفائها في منطقة الشرق الأوسط دولة إسرائيل، هذا الارتباك شرح الأهمية الأكبر في تعلم الدرس الاستراتيجي بأن العلاقات التاريخية يمكن أن تتعرض لوعكة صحية، فدول الخليج عليها ان تناقش من جديد تحالفاتها الاستراتيجية بشكل مشترك وخاصة مع الرئيس ترامب الذي يرى ان لا تقف أميركا مراقباً سلبياً ترضى بالانعزال عن منطقة مهمة في العالم. وجع الثورات العربية كان كبيراً عندما وصل الأمر إلى اليمن التي يعبر عنها الخليجيون بأنه عمق استراتيجي وهذا صحيح، ولن تتمكن الدول الخليجية من المحافظة على خاصرتهم المهمة (اليمن) الا عندما يتم احتواء اليمن بشكل متجدد، فلا مفر من بناء استراتيجية جديدة لاحتواء اليمن بشكل اندماجي متدرج خلال العقد القادم فتجربة إيران مع الحوثين لا يمكن ضمان عدم تكرارها من آخرين سواء قريبين في المنطقة او أكثر بعداً. الوجع الأقسى كان إيران حيث أثبتت الأربعة عقود الماضية التي أعقبت الثورة الإيرانية ومجيء الخميني الى السلطة أن الشعوب العربية ومنها الخليجية لديها الكثير من الضعف في البناء الفكري لصد التدخلات الخارجية التي عملت إيران عليها خلال عقودها الماضية، اعتمدت إيران بشكل كبير على المورد الاكثر أهمية لشرعيتها في التدخل الا وهو الطائفية وفي المقابل كانت الظاهرة الفكرية السائدة في الخليج تحديداً تتسم بالمبالغة في تبسيط المشروع الإيراني. لقد انتظرت الدول الخليجية وكذلك العرب حتى ما بعد عام 2003م لكي يكتشفوا كيف ستستعمل إيران المورد الأيديولوجي القادر على شرعنة تدخلها وكسب التأييد الطائفي وشرعنة تدخلاتها في المنطقة، ايران يجب أن لا تغيب عن المراقبة اللصيقة والدول الخليجية عليها ان تشكل حواراً استراتيجياً متكرراً بينها عبر بناء مراكز بحثية متقدمة، فإيران لازالت موجودة ولازالت تخطط ضد المنطقة.
مشاركة :