مر عام على قرار إعادة تنظيم وتطوير أدوار هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , بعد أن كان التطوير متطلبا جوهريا لها, لاسيما أنها منذ تأسيسها لم يكن لها دور واضح داخل الدولة الفتية, فتصدت لأدوار تنسجم مع تراتبية الرؤية الإسلامية في الإصلاح اليد-اللسان -القلب , وفق تفسير مثالي طهراني يرتبط بتفاصيل مجتمع البلدات الصغيرة النائية , التي باستطاعة جماعة صغيرة من أهلها أن تقوم بفريضة الاحتساب . ولأن المدن العربية تمددت واتسعت وقفزت فوق أسوارها القديمة بشكل طفرات شاهقة متتالية, ولم تعد تلك المجتمعات الصغيرة التي تطفئ فوانيسها مع بزوغ أول نجمة في السماء , فإن تعدد هويات سكانها واختلاف مرجعياتهم الثقافية, فرض شرط التعايش والتسامح والقبول بالآخر كشرط كوزموبوليتاني حتمي للمدينة الحديثة, طبعا بمظلة قانونية فوق الجميع . وهو الشرط الذي لم تدرجه الهيئة ضمن لائحتها التنظيمية القديمة أو تلك التي تجددت عام 1434, إضافة إلى إن بعض الأجيال الجديدة التي تسلمت المناصب الميدانية في الهيئة, تأثرت بالفكر الجهادي الصحوي, فلم تطور جهودها التوعوية الإرشادية, واستبدلتها بخطاب وعظي قاس فظ. ومن هنا دخلت في حالة مواجهة عنيفة مع متلقي الخدمة لديها, فعلي حين من المفترض أن يكون المجتمع هو عمق الهيئة الاستراتيجي وأهم محاضنها, إلا أن حراكها الميداني سيطر عليه الريبة والإيقاف, وطلب الهويات, وتفتيش المقتنيات الشخصية, المطاردات, وتسور المنازل, وكشف العورات وفضحها, وتغليب سوء الظن , نتج عنه في بعض الحالات هدر الدماء وإزهاق الأرواح. ومن هنا بالتحديد بدأت تفقد الأرضية الثابتة التي كانت تقف عليها, ولاسيما مع اقتحامها الحيز العائلي الخاص, والذي تنظم فيها كل عائلة أسلوب تعاطيها مع الفضاء العام, سواء في الأماكن التي ترتادها, أو في أسلوب أردية أفرادها, أو القرار العائلي في الاستمتاع بالأنشطة سويا. حالات المواجهة المتصلة, كانت تمرر صورة نمطية سلبية متصلة عن مجتمع يعاني انفلاتا أخلاقيا, ويصعب السيطرة على ردود فعله في الأماكن العامة, فيما لو غضت الهيئة بصرها, طبعا هذه الصورة أهانت مروءة المجتمع والمرجعية الأخلاقية التي يرتكز عليها عبر تاريخه. فتصعدت حالة تذمر جمعية لاسيما بين الأوساط الشبابية, لم تحاول الهيئة عندها أن تتصدى لها عبر مراجعة داخلية نقدية لجهاز الهيئة وأسلوبه الميداني, بل تعمقت في المواجهة إلى حد تجييش تيارات المجتمع ضد بعضها البعض, وتترست وراء مفهوم أنها تحمي خندق الأخيار من الأشرار. بالطبع هذا النوع من المواجهات أصبح تاريخا الآن, وأوكل المجتمع السعودي إلى مرجعيته الأخلاقية المحافظة, ليحدد من خلالها ما يناسبه, وما يتماشى مع قائمة فضائله وقيمه الخاصة, المتواشجة مع عمقه العربي والإسلامي.
مشاركة :