الموتُ يعانقُ الطرقات، ويقسم أعمارنا المتشتّتة، ويجلس خفيفاً بين الظل والجسد، دون أن نكترث لخيالتِه المخفيّة، ودون ردعٍ من سذاجةِ بعضنا، كأن الحياة في نظرِهم الطريقة التي تروقُ لهم كما يريدون، لا كما ينبغي عليهم الحذر. على حافة الغفلة التي تقودها أجسادهم قد تأخذهم إلى الكارثة السمجة التي حلت بعقولهم دون أيّ نوع من الاكتراث، كأنّهم أبطال الكون، والخسارة لا تمتُّ لهم بأيّ صلةٍ رغم فشل تصرفاتهم، ورغم طيش أفكارهم التي لا تناسب مستوياتهم الاجتماعية، بعضهم متشابه في سلوكه خلف المقود؛ لأن المستوى الثقافي الذي يتمتع به بعضهم في نظرِهم لا علاقة له بالقانون المسمى (حزام الأمان)، كأنه في نظرِهم مسمى آخر (حزام الضيق)، فقط يلزمهم في أوقات التخلص من المخالفة القانونيّة التي تفرض عليهم المال وليس الحماية، ولكنّهم يتجاهلون روح الحماية ويلتزمون بالمال الفاني الذي يذهب ويأتي، دون أن يدركوا أرواحهم وأرواح من حولهم، كأنّ المال هو الحياة وليس الحياة من تجلب لنا المال. هناك مَن أصبحوا لا يملكون ملامحهم، ولا يرون ملامحَ غيرهم، تائهون رغماً عن شيءٍ ما بداخِلهم، ولا ينصتون إلى حدسِهم ولا يجيدونَ تعابير الوجوه من أمامِهم، كلّ منّهم ماضٍ إلى أحلامٍ مبطنة دون دراسة مُجدية، ولا تحليل منطقيّ لرسمِها، فقط يتشبثون بريشةِ رسّامٍ لا تليق بمواهب خَشِنة تقودها حماقتهم، كأنّهم بذلك كسروا أمل مَن يرون نور الحياة ويتجمّلون بالصبر؛ إذ يأخذهم تهورهم إلى فاجعةٍ تلقي بهم إلى الهاويّة التي اقترفتها أيديهم. نعيش عالمنا الافتراضيّ بكلِ لحظةٍ دون أن نعيش اللحظة نفسها بمضمونها الحقيقيّ، كأنّ مواقع التواصل الاجتماعي فرضت علينا تحكُّمها وأوامرها وقادتنا إلى ما تريد دون أن نقدم حصانة لأرواحنا، ومن هنا بدأت المعاناة العقيمة التي لا علاج حاضر لها في هذا الزمن. أيقونة أن نبدأ النهار بتغريدةٍ عن مسار الطريق الذي يقودنا دون أن نتّتبع لهواجسه أصبحت حاضرة، فقط نراوغ الوقت بما يسمى تضييع بعض الوقت حين ننتقل من مدينة إلى أخرى، ونلهو مع صوت كل إشعارٍ يحتوي (أعجبني - تعليق)، هذه الكارثة العصريّة كأن خواءها سكن المحيط من حولِنا عنوةً دون أيّ تبرمٍ منّا. كأنّ كلّ منّا لديه أجنحة تقاومُ الكسر، وسباق التحدي أيضاً ما زال حاضراً في شوارعِنا بعنفوانِ الطّفولة التي تخجل من أعمارِنا، من هنا تُحصي الصّحافة حوادث سير كثر أردفتها الأخبار ساعة تلو الأخرى، والموت يقتلُ الدقائق القليلة التي ننتظرها كروتين اليوم رغماً عنا، والمهزلة الحقيقيّة التي أعقبها ضجرنا وأعصابُنا التالفة مع الوقت، والتهور الذي يقتحم مرادنا دون تأنٍّ. كأن كلّ مصائب العالم اجتمعت على طاولةِ الموت، الذي ولّدتّه الحوادث المفجعة، ومن يختارون الثلث الأخير من الليل للتمتع بقيادة سياراتهم بما يسمى بينهم (التفحيط)، كأنّ هذا الوقت الذي يخلدُ فيه النّاس إلى نومٍ عميق قد ينقذهم من الموت، ولا يدركون أن الموت يترقبهم بالمرصاد، وهم مَن هيَّأوا له تلك الفاجعة. لكن عندما نحاول أن نحمي أرواحنا من الخطر، نجد في أغلب الحالات طريق الحمايّة مقفلاً بالإهمال، خاصة في سيارات النقل العمومي التي تنقلنا من مدينة إلى أخرى، وتجد أن لا وجود لحزام الأمان أثراً أو أن التلف ظلّل أحكامه، وحين يسأل أحد الركاب السائق عن تلفه، فقط يكتفي بإجابة يبغضُها استهتاره: أمسكه بيدك! ما نريده من أنفسنا ومنّكم ردعٌ من تلك التصرفات التي تستوطن الحياة التي لا نعيش جمالها ولا ندرك صعوباتها، ولا نتقن فيها فنون التعامل مع الآخرين؛ لأنّنا فقط نكتفي بما يدلنا عليه طيش أعمالنا الهائِجة كالبركانِ، وشرارة الحماقة البَلهاء التي تَضج في صحوتِنا قبل غفلتِنا. كفى استهتاراً بأرواحِكم، كفى تبرماً منكم ينعكس على من حولكم، كفوا أيديكم عن أخطاء الغفلة، احتفظوا بأرواحكم وأرواح الآخرين بمحفظة الرحمة، اجعلوا من حزام الأمان مأمناً لأطفالكم، فكوا عِنَاق الموت من قارعة الطريق، آمِنوا بقانون الحماية لا قانون العقوبة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :