الصحافة المنحازة لطرف دون آخر لا شكّ أنها تسهم في إعادة إنتاج وتدوير نماذج سياسية بعينها وبعضها نماذج فاشلة.العرب طاهر علوان [نُشر في 2017/04/25، العدد: 10613، ص(18)] الصحافي الشاهد على تحولات الديمقراطية هل عليه الترويج لطقوسها واستحقاقاتها أم عليه البحث في هفواتها وإخفاقاتها؟ الديمقراطية التي تضخّمت كما تضخّم رأس المال والعولمة والشركات العابرة للقارات على الصحافي أن يقرأها من حيث هي ميدان لممارسة ليس هنالك حكم واحد عليها. الديمقراطية جاءت محمّلة بالطائفية وبسموم الدكتاتورية وباتخاذها حصان طروادة للإمساك بالسلطة والإمساك بخناق الشعب كما هي الحالة العراقية والروسية والتركية وغيرها. فماذا على الصحافي أن يصنع وهو يشهد تلك الولادات المشوّهة التي تخرج من جوف صناديق الاقتراع؟ فرنسا تحبس أنفاسها وعند نشر هذا المقال يكون قد تبيّن الخيط الأبيض من الأسود، أيّ من زعماء فرنسا سيُنتخَب ليحتل كرسي الإليزيه؟ لكن الصحافة الفرنسية في تغطياتها كانت في وضع لا تُحسد عليه فمن تتبنى؟ اليمين لا يمكنها إغفال الاتهامات التي طالت مرشحها فرنسوا فيون بمنح الوظائف الوهمية وتوظيف زوجته وابنيه، والصحافة التي تتبنى أقصى اليمين ستجد مارين لوبن محمّلة بآثام الوظائف الوهمية واقتراف أموال عامة، الصحافة التي تسمع كلاما عن قاسم مشترك بين المرشحين ممثلا في المرشح ماكرون تسمع أيضا عنه أنه متّهم باتهامات لاأخلاقية مع أنه يتقدّم الصفوف بنهجه المتوازن والواقعي، هذا الخليط الذي يشمل سيرة وتاريخ ومنجز وهفوات الشخصيات المرشّحة أيها على الصحافة أن تقوم بحجبه والسكوت عليه أو يجري فضحه والتحذير من ماضيه؟ وما ذلك إلا مثال على تلك المهمة المعقدّة والإشكالية للصحافة عشيّة الانتخابات. فهل على الصحيفة بعد هذا أن تظهر في مظهر اللامبالاة وأنها غير منحازة لجهة دون أخرى حفاظا على المصداقية أم أن عليها أن تتبرأ متّجهة نحو الانعزال وترك الصناديق هي الشاهد على ذائقة الشعب ومساحة طموحه ومطالبه؟ لا شكّ أنّه مأزق حقيقي تواجهه الصحافة إن هي سعت إلى الاستقلالية والموضوعية. بالأمس شهدنا الهجوم الكلامي الواسع مصحوبا بالاتهامات التي كالها الرئيس الأميركي ترامب ضد عدد من الصحف والقنوات الفضائية الأميركية العريقة وهي التي لم تنتصر له وهو يراهن على ناخبيه وعلى صناديق الاقتراع. وهنا شعر ترامب بتقصير الإعلام تجاهه وظل يشن حملات لا تنتهي ضد تلك الصحف والفضائيات. الصحافة المنحازة لطرف دون آخر لا شكّ أنها تسهم في إعادة إنتاج وتدوير نماذج سياسية بعينها وبعضها نماذج فاشلة، وفوق كل ذلك تجد نفسها وقد دخلت في سجال لا يكاد ينتهي حول تضليل الجمهور وإيهامه لغرض أن تعود حمى الديمقراطية مجددا ولكن محمّلة بالسراب والوهم والإحباط الذي يصيب جمهور الناخبين. لا شك أن الصحافة سوف تكون في وضع لا تحسد عليه عشية الاستقطابات السياسية الشديدة المواكبة للانتخابات في أي بلد، بعضها يلهث خلف الإعلانات وما تدره حملات الإعلانات من أموال جيدة وبعضها الآخر يحلم بحصة في الحكومة المقبلة وما إلى ذلك، بينما تذهب قضية الصحافة ومصداقيتها ونجاحها اليومي أدراج الرياح لأن الديمقراطية الافتراضية أوجدت للصحافة سوقا رائجة ثم ما لبثت أن أغرقتها في دوامة صناديق الاقتراع. كاتب من العراق طاهر علوان
مشاركة :