قبل أسبوع أو نحو ذلك، تم تغيير التعريف القانوني للسجون البريطانية، فلم تعد أماكن للعقاب، إذ إن مشروع القانون الجديد الخاص بالسجون والمحاكم، الذي قدمته وزيرة العدل البريطانية ليز تروس، يشير إلى أن الشيء الأهم هو إصلاح وإعادة تأهيل المجرمين وإعدادهم للعودة إلى المجتمع مرة أخرى. ولم يتم استقبال مشروع القانون الجديد بقدر كبير من الحفاوة والترحيب، إذ وصفته صحيفة «ذا صن» بأنه «مقلق»، كما انتقده بول نوتال، الذي تولى رئاسة حزب الاستقلال البريطاني هذا الأسبوع. وقد تمت إعادة الحديث عن قصص لـ«معسكر الإجازات» للنزلاء الذين يشربون الخمور ويأكلون اللحوم في زنازينهم، بدلاً من قضاء العقوبة في سجن بالمعنى الذي نعرفه جميعاً. ويجعلنا هذا نتساءل: ما الغرض من إيقاف الرياضيين في حال تناولهم المنشطات؟ هنا، أجد نفسي في موقف غير مريح وأتجه تلقائياً للاعتراض على مشروع القانون الجديد، لأنني أريد أن يعاقب من يتناول المنشطات، ولأن بعض الرياضيين سيلجأون دائماً لوسائل غير مشروعة لتحسين أدائهم، ولكن إذا تم ضبطهم يجب أن يعرفوا أنه سيكون في انتظارهم عقاب رادع وسيتم إيقافهم عن النشاط الرياضي. ومن الناحية المثالية، دعونا نتفق على أن تناول المنشطات ليس جريمة بلا ضحايا، بمعنى أن الشخص الذي يتناول المنشطات يحصل على بطولة أو لقب على حساب لاعب آخر شارك في المسابقات بمجهوده فحسب، ولذا فإن سحب لقب أي بطولة من لاعب بسبب تناوله المنشطات ومنح اللقب بأثر رجعي للاعب «شرعي» بعد مرور عدة سنوات يعني أن هذا اللاعب قد حصل على اللقب أو الميدالية بعيداً عن أجواء البطولة وهتافات وتشجيع وتصفيق الجماهير. وبالنسبة لنا، كعشاق للرياضة، يبدو الأمر مملاً للغاية أن تفكر مرة أخرى في المنافسات الرياضية التي شاهدتها في الماضي لتخمن الدور الذي لعبته المنشطات في فوز هذا الرياضي أو ذاك بالبطولات والألقاب. كنا نتابع الدراج الأميركي لانس أرمسترونغ على مدار 7 سنوات وهو يفوز بالسباقات، قبل أن نشعر بتعرضنا للخديعة بعد إيقافه عن ممارسة النشاط الرياضي طيلة حياته بسبب تعاطيه المنشطات. يقودنا كل هذا للحديث عن عودة ماريا شارابوفا لمنافسات التنس مرة أخرى. وبطبيعة الحال، لم تصل شارابوفا لمستوى أرمسترونغ في الخداع، حيث جاءت نتيجة اختباراتها إيجابية العام الماضي لتناولها عقار «ملدونيوم» المحظور، وهو مكمل غذائي يتناوله مرضى السكر - ويعتقد أنه يعمل على تحسين القدرة على ممارسة الرياضة - وهي المادة التي تم حظرها أخيراً من قبل الاتحاد الدولي للتنس. ولا يمكننا حتى أن نقول إنها «متناولة للمنشطات»، حيث قالت محكمة التحكيم الرياضية إنها لم تحاول الحصول على ميزة بطريقة غير عادلة، لكنها ببساطة ارتكبت خطأً إدارياً نتيجة عدم قراءتها مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني التي أرسلت إليها. إذن ما هي المشكلة؟ فالجميع يخطئ في قراءة رسائل البريد الإلكتروني، لكن ليس لدينا أعذار لاعبي التنس العالميين نفسها! لقد أخطأت شارابوفا وتعرضت للإيقاف لمدة 15 شهراً، وتعود الآن للمشاركة في البطولات بعدما تلقت دعوة للعب في بطولة شتوتغارت للتنس، ومن المتوقع أن تتلقى دعوة مماثلة للمشاركة في بطولتي رولان غاروس وويمبلدون في الوقت المناسب. وستعود شارابوفا إلى أكبر ملاعب التنس في العالم، وسط اهتمام إعلامي أكبر من أي وقت مضى. كان من الممكن أن تكون هناك مشكلة في ذلك لو كنا نتمسك بفكرة معاقبة مرتكبي الجرائم. لكن بدلاً من ذلك، أجلت بطولة شتوتغارت مباراة الدور الأول بين شارابوفا والإيطالية روبرتا فينشي حتى اليوم (الأربعاء)، وهو اليوم الذي تنتهي فيه فترة إيقاف اللاعبة الروسية. والأكثر من ذلك، أن خبر عودة شارابوفا لملاعب التنس سوف يحظى هذا الأسبوع بتغطية إعلامية أكثر من خبر أن سيرينا ويليامز حامل، وسوف تغيب عن باقي منافسات الموسم. الجدير بالذكر أن شارابوفا، التي أكملت عامها الثلاثين هذا الأسبوع، لم تحقق الفوز مطلقاً على ويليامز منذ أن كانت الروسية في سن المراهقة! صحيح أن شارابوفا منافسة شرسة في عالم التنس وكان من الصعب غيابها عن البطولات الكبرى، لكن إذا نظرنا إلى الأمر من الناحية الموضوعية، فإن الوضع سيكون أسوأ من ذلك بكثير. ومن بين الرعاة الرئيسيين للاعبة الروسية، لم يتخلَّ عنها سوى «تاغ هوير» السويسرية، في حين ظلت معها شركات «نايكي»، و«ايفيان»، و«بورش» - وهي الشركات التي مولت بطولة شتوتغارت من قبيل الصدفة سعيدة. وخلال فترة عقوبتها، قضت النجمة الروسية لحظات سعيدة للغاية، فظهرت في الصفوف الأمامية في أسبوع الموضة في نيويورك، وفي صور شخصية مع إلتون جون خلال مباراة استعراضية في لاس فيغاس، كما ظهرت في جلسة تصوير مجلة «فانيتي فير» بعد حفل الأوسكار. ويفترض أيضاً أن لديها كثيراً من الوقت للعمل على كتابة سيرتها الذاتية، وقد اختارت عنواناً مناسباً بما فيه الكفاية، وهو «لا يمكن وقفها». ورغم كل ما حدث، لم تعطِ شارابوفا أي إشارة تدل على أنها تشعر بأنها فعلت أي شيء خاطئ. ووجهت الانتقادات للاتحاد الدولي للتنس الذي تعتقد أنه كان يجب أن يقف إلى جانبها في تلك الأزمة. وتكمن المشكلة هنا في أن لعبة التنس تعرف على نطاق واسع بأنها رياضة نظيفة السمعة، إن جاز التعبير، وكانت جميع العينات الإيجابية القليلة للغاية بسبب استخدام المخدرات بشكل بسيط أثناء رحلات ترفيهية. فعلى سبيل المثال، وجد في عينة مارتينا هينغيز كمية صغيرة من الكوكايين، وهو الشيء نفسه الذي حدث مع ريتشارد غاسكيه، على الرغم من أنه قال (ونجح في إثبات ذلك بشكل غريب) إن الكوكايين دخل إلى عينته التحليلية عن طريق تقبيله امرأة في ملهى ليلي في ميامي، وهو ما أدى إلى تقليص العقوبة الموقعة عليه. ولذا تعد شارابوفا هي أول حالة حقيقية تتناول مادة محفزة للأداء في عالم التنس. والحقيقة هي أنه من السهل للغاية تناول المنشطات دون أن تكشف في عالم التنس. وباستثناء لاعب واحد فقط - واين أوديسنيك، وهو أميركي موقوف الآن لمدة 15 عاماً - لم يكشف أن لاعباً يستخدم هرمون النمو البشري أو التستوستيرون الصناعي. وخلال العام الماضي، وجد مسح أجري على 31 لاعباً محترفاً في لعبة التنس أن ما يقرب من 25 في المائة يعرفون لاعباً استخدم عقاقير لتعزيز الأداء. ويعتقد ثلثا من شملهم الاستطلاع أن هذه اللعبة لم تجرِ ما يكفي من الاختبارات. وكشف تقرير أصدرته الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات عام 2014 أن الاتحاد الدولي للتنس وجد عدداً قليلاً نسبياً من متناولي المنشطات في لعبة التنس: اختبار إيجابي من بين 985 اختبار منشطات، مقابل واحد في 274 اختباراً في سباقات الجري، وواحد من بين 296 اختباراً في سابقات الدرجات. وهناك عد تنازلي لعودة شارابوفا على صفحتها على «تويتر»، كما لو أن الظلم سيرفع عنها قريباً. وتقول لاعبة التنس الروسية: «أنا روح لطيفة، ولست مخلوقة من الغضب أو العداء أو الاستياء». أنا أيضاً لست مخلوقاً من الغضب أو العداء أو الاستياء، لكن لماذا إذن أشعر الآن بأنه لا يتم التعلم من دروس الماضي؟
مشاركة :