الأحساء .. قبلة يحج إليها أقطاب النهضة العلمية والأدبية

  • 4/27/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الأحساء كما هو معروف عنها منذ غابر الزمن ليست فقط أرضاً خصبةً صالحةً لاستزراع مختلف النباتات التي تنتج أجود الثمار وأشهاها وواحةً تضم بين ذراعيها ملايين النخيل فضلاً عن الأدواح والرياض الغناء وتجثم على بحرٍ من المياه المخزونة التي تفيض منها العيون بمياهٍ عذبةٍ رقراقة بل هي إلى جانب هذا كله واحة علمٍ وأدبٍ حيث اخضوضر الأدب على ثراها وتهلَّل الشعر تحت ظلال نخيلها وفاض العلم من بين أرجائها حتى غدت قبلةً يحج إليها أقطاب النهضة العلمية والأدبية بالجزيرة العربية فقد احتضنت عبر تاريخها العريق الذي ينيف على الخمسة آلاف عام كما ورد في كتاب (تحفة المستفيد في تاريخ الأحساء القديم والجديد) من أعلام الأدب والشعر وأساطين العلم والمعرفة ما قل أن عرفته منطقة أخرى في العالم العربي وقد أشار مؤلفه الشيخ محمد العبدالقادر يرحمه الله إلى أن قس بن ساعده الأيادي كان من أبناء هجر وكان مما ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل قائلاً : أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الأيادي فقال الجارورد : كلنا نعرفه يا رسول الله وأنا من بينهم كان قس سبطاً من أسباط العرب عُمِّر 600 سنة وتعفَّر خمسة أعمار في البراري والقفار يضج بالتسبيح على مثال المسيح لا يقره قرار ولا تكنه دار ولا يستمتع به جار فعقَّب الرسول عليه قائلاً : مهما نسيت فلن أنساه بسوق عكاظ واقفاً على جملٍ أحمر يخطب الناس فيقول:اسمعوا وعوا وإذا وعيتم فانتفعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آتٍ آت ليل داج وسماء ذات أبراج وبحار ذات لجاج إن في الأرض لعبرا وفي السماء لخبرا أقسم قس لا حانثاً ولا آثماً أن لله ديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه وهذا زمانه وأوانه ثم قال:مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا؟ أم تُركوا فناموا؟ ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(رحم الله قساً إنه سيبعث يوم القيامة وحده) ويستنتج العبدالقادر من ذلك أن معرفة الوفد الوثيقة بقس بن ساعده دليل على أنه كان من أبناء الأحساء. كما ترعرع في أحضان الأحساء نفر من عمالقة شعراء العربية وأفذاذها منهم المثقب العبدي وهو عائد بن محصن بن ثعلبة من بني عبد القيس المتوفى في السنة السابعة للهجرة ومن أشهر شعراء الأحساء الصلتان العبدي ذكر عنه البغدادي في (خزانة الأدب) أن اسمه قثم بن خَبيَّة ومن شعره. نروحُ ونغدو لحاجاتنا … وحاجةُ من عاش لا تنقضي تموتُ مع المرءِ حاجاتهُ … وتبقى له حاجةٌ ما بقي ومن أشهر شعراء الأحساء الجاهليين طرفة بن العبد المتوفى قبل هجرة الرسول عليه السلام بثلاثين عاماً كان من شعراء المعلَّقات وقد كُتبت معلَّقته بماء الذهب وعُلِّقت على جدار الكعبة وكان منهم الممزق العبدي وعمرو بن قميئة وزياد الأعجم ومن أشهر شعراء الأحساء في القرن السادس الهجري علي بن المقرب العيوني واسمه جمال الدين أبو عبد الله العيوني كان أبوه قائداً من قادة الدولة العيونية وكان ابن المقرب من شعراء القمة في جزيرة العرب يومها تناول مفاخر قومه وأشاد بتاريخهم المشرق ومن أعلام الأحساء وعلمائها الشيخ إبراهيم بن حسن الأحسائي الحنفي المتوفى سنة 1048هـ ومنهم الأمير أبو بكر بن علي الباشا الذي ولد في الأحساء وتعلم فيها ثم آثر الإقامة في المدينة المنورة بغية العبادة توفي سنة 1076 هـ وله شعر كثير ومنهم خليل الأحسائي الذي ذاع صيته واشتهر بعلمه وأدبه ومن شعره قوله : وشادت كالبدر شاهدته … عيونه الدعج تميت الأنام بدأت بالتسليم حباً له … فقال بالغنج عليك السلام ومنهم السيد علوي الهجري الذي قال المحب في وصفه : شاعر هجر ومنطيقها ومن أعلامها وعلمائها الشيخ عبد الله بن علي العبد القادر الذي يرجع نسبه إلى أيوب الأنصاري وكذلك الشيخ أبو بكر بن عمر الملا المولود سنة 1198هـ حفظ القرآن الكريم وعمره عشر سنوات وتلقَّى العلم من شيوخ الأحساء وعلمائها توفي سنة 1270 هـ ومنهم الشيخ أحمد بن علي بن حسن بن مشرف وعدد كبير من الشعراء والأدباء والعلماء تهللت لهم هجر وازدانت بهم عبر العصور . ولا تزال بفضل الله حتى عصرنا الحاضر معيناً للأدب وروضة للثقافة الأصيلة وشلالاً للعطاء العلمي والأدبي المتدفق فلم تعقم قط عن إنجاب خيرة العلماء والأدباء والمثقفين وطلاب العلم لذا كان من الطبيعي أن يتمخض عن ذلك ظهور مجالس العلم والأدب والثقافة وحلقات الدروس الدينية التي تنعقد في المساجد والمدارس ودور العلم بربوعها فكانت تلك المجالس ودور العلم تـؤدي دور المؤسسات التعليمية الحكومية في تعزيز وازدهار الحركة العلمية في المنطقة قديماً إلا أنه خلال فترةٍ وجيزةٍ انجرف الناس مع تيار الحياة والتهوا في مشاغلها عن الاهتمام بمثل تلك العادات الحميدة فأخذت تلك المجالس والدور العلمية تتناقص حتى كادت أن تنعدم ولكن أصالة أبناء هذه المنطقة أبت إلا أن تبعثها من جديدٍ فظهرت الحلقات الدينية مجدداً في المساجد والمنازل بين الشبيبة المتدينة وواكبها ظهور المجالس الثقافية التي تعقد المحاضرات المتنوعة والأمسيات الأدبية شعراً ونثراً بالإضافة إلى المجالس العامة التي تحتضن الوجهاء الذين يجتمعون للمناقشة العامة حول مختلف القضايا فتحية لهذه المنطقة الأصيلة التي لم تستطع الحضارة المادية أن تزحزحها عن مبادئها وقيمها وعاداتها الحميدة وكل مكونات موروثها الأصيل المستمد من ديننا الإسلامي العظيم.

مشاركة :