وسط صمت كافة المنظمات الإسلامية واستهجان شعوب العالم جميعها، تتمادى فلول الإثم والغدر والبهتان، المُندَّسة بين جنبات أمتنا، في قتل الأبرياء وهتك الأعراض وهدم المعتقدات دون حسيب أو رقيب، لتقويض ما تبقى من سماحة الإسلام وتدمير ما بقي من سمعة المسلمين. في نيجيريا تعوث جماعة "بوكو حرام" الإرهابية فساداً في الأرض كل يوم من أيام السنة، فأقدمت قبل 22 يوماً على اختطاف 200 تلميذة من فتيات المجتمع، وحطمت ليومنا هذا مئات المدارس وعشرات المتاحف والمعابد. وفي العراق وسورية والصومال وأفغانستان والباكستان وليبيا تتباهى عصابات "القاعدة" و"داعش" و"النصرة" وغيرها، من فئات "ماكو حلال"، بتدمير ما تبقى من صروح أمتنا وفضائل شريعتنا. أمتنا في أمس الحاجة اليوم لمنظمات إسلامية فاعلة تسعى للم الشمل ورأب الصدع والإخلاص في العمل والاجتهاد في البناء والتقدم في العلم والمعرفة. فعالمنا الإسلامي، الذي يتكون من 57 دولة، لا يحتوي على دولة واحدة مصنفة في مرتبة العالم الأول، بل تقع 32 دولة منها ضمن مجموعة دول العالم الثالث و25 دولة في مجموعة الدول الفقيرة. وعالمنا الإسلامي الذي تفوق مساحة أراضيه 32 مليون كيلومتر مربع، لتساوي 10 أضعاف مساحة دول الاتحاد الأوروبي، لا تزيد حصة الزراعة في ناتجه المحلي الإجمالي عن 24% وتنخفض حصة الصناعة فيه إلى 30% ولا تتعدى نسبة الخدمات 46%. عالمنا الإسلامي الذي يطل على أعظم المحيطات والبحار والبحيرات في العالم، ويمتلك أهم الأنهار التي فاقت أطوالها 24 ألف كيلومتر، لا زال يستورد 70% من غذائه و41% من دوائه، ولا زال 37% من مجتمعه يرزح تحت خط الفقر و34% منه يعاني من الأمية و29% من البطالة. وعالمنا الإسلامي، الذي يمتلك 67% من ثروات الأرض وينتج 43% من كميات النفط في العالم و8% من الغاز الطبيعي و47% من القصدير و23% من الحديد، لا زال يعتبر من أكثر الدول اعتماداً على استيراد المعدات والأجهزة والمصانع والمواد الاستهلاكية. بل إن عالمنا الإسلامي، الذي يحتوي على 24% من سكان العالم، لا يتجاوز ناتجه المحلي الإجمالي عن 5% من الناتج الإجمالي العالمي، ولا تزيد تجارته البينية الإسلامية عن 6% من تجارته مع العالم الخارجي، بينما تفوق 54% بين مجموعة دول "آسيان"، و70% بين دول الاتحاد الأوروبي، و80% بين دول مجموعة "ميركوسور" في جنوب أميركا. في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2013، لم تحصل دولة إسلامية واحدة على مقعدها بين أفضل 15 دولة في العالم، حيث جاءت إيران في المرتبة 146 وليبيا في المرتبة 149 والعراق في المركز 151 من أصل 157 دولة. وفي مؤشر تنمية الموارد البشرية تراجعت المغرب إلى المرتبة 111 واليمن إلى المرتبة 153 وموريتانيا إلى المرتبة 156. وفي مؤشر مدركات الفساد احتلت الصومال والعراق ونيجريا وأفغانستان آخر المراتب بين 177 دولة. تصوروا عظيم ثوابنا عند الله سبحانه وتعالى ومقدار احترام شعوب الأرض لمجتمعنا الإسلامي لو اتفقنا جميعاً على كلمة سواء بيننا، وحققنا العدل ونبذ الظلم بين شعوب العالم أجمعين، ولو احترمنا حقوق الإنسان وكافة الأديان، وأنصفنا جميع المظلومين والمحرومين كما أنصفهم في السابق خلفاؤنا الراشدون، ولو اعتمدنا في دعوتنا الصادقة على مبادئ الأمر بالمعروف والكلمة الطيبة إلى جانب الموعظة الحسنة كما أمرتنا به شريعتنا السمحاء. تصوروا مدى نجاح أمتنا الإسلامية بين شعوب الأرض قاطبة، لو قمنا بإنشاء أعظم المراصد الفلكية لرصد حركة النجوم ومجرات الكون، وأفضل الجامعات المتخصصة في تقنيات النانو والطاقة الشمسية والانشطار النووي والاقتصاد المعرفي وتقنية المعلومات، وأهم المراكز الطبية لأبحاث أمراض السكر والقلب والسرطان والفشل الكلوي، وأكبر المصانع لإنتاج معدات التحلية ومولدات الكهرباء وقطع غيار السيارات والطائرات والقاطرات. تصوروا قوة عالمنا الإسلامي لو بادرنا بتنفيذ الخطة التنموية البشرية لتوفير 100 مليون وظيفة للعاطلين عن العمل، واعتماد الاستراتيجية الزكوية لتخفيض نسبة الفقر المدقع بين شعوبنا، وتنظيم مؤشر القيمة المضافة المحلية والإقليمية لتنمية اقتصادياتنا. وتصوروا لو قمنا بتأسيس المفوضية التجارية الإسلامية العليا لرفع نسبة التبادل التجاري بين أسواقنا، ولو تم إنشاء الأكاديمية التقنية الموحدة لعلوم الفيروسات وأبحاث الجينات والمركز الفريد لتقنيات الأرصاد والاستمطار وحماية البيئة ومكافحة التصحر والاحتباس الحراري. تصوروا مقدار احترام الشعوب الغربية لأمتنا الإسلامية، لو حققنا الاكتفاء الذاتي من القمح والأرز والذرة والشعير والألبان والأجبان واللحوم والخضار والفاكهة، وتصوروا دهشة علماء الغرب لو أعلنا أن عدد براءات اختراعاتنا فاق هذا العام أعداد الفيديو كليب الهابطة التي ننتجها، ولو فاجأنا العالم بإطلاق أكبر أقمارنا الفضائية العلمية بدلاً من تدشين أسوأ فضائحياتنا الإعلامية، ولو بادرنا باعتماد مواقفنا الاقتصادية الموحدة للتعامل مع ارتفاع سعر صرف اليورو وانخفاض سعر الدولار، ولو قمنا بتأسيس مشاريع الربط الكهربائي والمائي وخطوط السكك الحديدية والطرق البرية السريعة بين دولنا الإسلامية. بل تصوروا شغف مثقفي العالم بآدابنا وثقافتنا لو اعتمدنا خطة استراتيجية لتأليف 100 ألف كتاب سنويا، وإصدار 10 آلاف مجلة علمية، وإنشاء أكبر المكتبات الرقمية لتجميع وفهرسة كافة المراجع والوثائق والمخطوطات الهندسية، وإطلاق أعظم مشاريع الترجمة والمصنفات الأدبية، وتصنيع أسرع الألواح الإلكترونية لحفظ ومعالجة المعلومات. لتحقيق أهدافنا علينا الإسراع في القضاء على فلول الخوارج من "بوكو حرام" وعصابات الإجرام من "ماكو حلال".
مشاركة :