بعد أن حصنت المحكمة الدستورية "الصوت الواحد" عام 2013 أجريتُ بعض اللقاءات الصحافية مع شخصيات بارزة من المعارضة، ونقلت إليهم، تساؤلات الشارع، ومنها: ماذا أنتم فاعلون بعد التحصين؟ ماذا عن اتهام المعارضة بأنها لا تملك التكتيك السياسي للتعامل مع الخصوم؟ لماذا لا تقبل المعارضة الحوار مع الحكومة والجلوس إلى طاولة المفاوضات؟ لماذا تتقوقع المعارضة على نفسها وترفض سماع الصوت المعتدل؟ كانت الإجابات تتركز حول توجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة بأنها سبب الأزمات المتعاقبة في البلاد، وأن الحكومة تريد مجلساً بمواصفات خاصة، ولأن السياسة تحتاج إلى نفس طويل وفكر يستطيع أن يتعاطى مع مجريات الأحداث، وتكتيكات تجبر الخصم على أن يقبلك شريكاً رئيسياً، لكن المعارضة سلكت الطريق الوعر والشائك، وكان يجب أن تتخذ أسهل الطرق وأيسرها للخروج من الأزمة، والابتعاد عن التصعيد غير المبرر أحياناً، حتى أخذت تتخبط باتخاذ الكثير من القرارات الكارثية ومنها مقاطعة الانتخابات البرلمانية عام 2013، بل إن المقاطعة لم تجدِ نفعاً، فأصبحت المعارضة خارج اللعبة، في وقت كان الجميع يمني النفس بمشاركتها في الانتخابات بكل قواها، وأن تقبل حكم المحكمة الدستورية كما قبلت وأشادت في السابق بحكم المحكمة الدستورية بتحصين الدوائر الخمس، (ومع هذا عادت المعارضة للمشاركة في مجلس 2016). لذلك كان خطاب السيد مسلم البراك الاثنين الماضي هو ما كنّا نصبو له، ونطالب به في السابق، بل كان بمنزلة خريطة الطريق التي تحقق الهدف المرجو، وتعالج حالة الصدام المستمر بين الفرقاء، وقد كان اعتراف البراك بأن المعارضة أخطأت في تقدير بعض الأمور شَجاعة في حد ذاته، وهذا ما لم يبح به أي معارض من قبل، وهنا على الحكومة أن تلتقط إشارة كلمته وتركز على "تعالوا إلى كلمة سواء"، لأن الأزمات لا تدار إلا بالحوار وصدق النوايا، ومن يريد للكويت الخير فإنه يسعى إليه وينحي خلافاته الشخصية جانباً، لأن الوضع لم يعد يُطاق، ولأن النصائح الصادقة لا تخرج إلا من قلب محب مخلص لهذا الوطن فأعتقد أن خطاب البراك أصاب كبد الحقيقة، وهدفه واضح وهو مد يد التعاون للجميع، بما فيهم الحكومة، للانطلاق نحو الإصلاح ومحاربة الفَسَاد. لا أفهم ما تلك الحرية التي صدع بها "أمَّ رؤوسنا" المطالبون برفع سقفها، ولا أعلم على أي حرية "يلطم" المتباكون؟ هل هي في نظرهم السباب والشتم والتعرض لأعراض الناس والدخول إلى غرف نومهم، أم حرية الضرب من تحت الحزام واتهام الآخرين في وطنيتهم وولائهم وتخوينهم من غير دليل؟ أم المطلوب أن تكون الحربة "حارة كل من إيدوا إلو"، وكل واحد يفعل ما يريد دون رقيب أو حسيب، فإذا كانت الحرية المطلوبة ما ذكرت، فلكم حريتكم ولنا حريتنا، نحن برآء مما تدعوننا إليه، لأن حريتنا لا تتعدى سقف السماء، ولن تخترق الجدران، وليس لها صوت نشاز يصم الآذان، حريتنا لها ضوابط، وبما يسمح به الشرع والقانون. ثم أما بعد،،، يجب على المعارضة والحكومة أن تُنزلا شعار "أنت معي أنت قديس، أنت ضدي إذن أنت إبليس"، وترفعا بدلاً منه شعار "كلنا للكويت والكويت لنا".
مشاركة :