القاهرة: «الخليج» استقبل المصريون البابا فرنسيس؛ بابا الفاتيكان بحفاوة كبيرة، مؤكدين عمق العلاقات بين مصر والفاتيكان. وقد وصل البابا فرنسيس إلى مطار القاهرة في الثانية من ظهر أمس الجمعة، حيث كان في استقباله رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل، وعدد من رجال الكنيستين الأرثوذكسية، والكاثوليكية، وممثلين عن البرلمان المصري، قبل أن يتوجّه إلى القصر الرئاسي عقب انتهاء مراسم الاستقبال، لتُجرى له مراسم استقبال رسمية، حيث كان في استقباله الرئيس عبد الفتاح السيسي.وخلال حفل الاستقبال الكبير، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن القضاء نهائياً على الإرهاب يستلزم مزيداً من التنسيق والتكاتف بين كافة القوى المحبة للسلام في المجتمع الدولي، وجهداً موحداً لتجفيف منابعه وقطع مصادر تمويله، سواء بالمال، أو المقاتلين، أو السلاح، مشيراً إلى أن القضاء على الإرهاب «يحتاج استراتيجية شاملة تأخذ في اعتبارها، ليس فقط العمل العسكري والأمني، وإنما الجوانب التنموية والفكرية والسياسية، التي من شأنها هدم البنية التحتية للإرهاب، ومنع تجنيد عناصر جديدة للجماعات الإرهابية». وثمن الرئيس السيسي المواقف الإنسانية النبيلة للبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، مشيراً إلى أنها «تفتح طاقة الأمل في نفوس البشر، وتزرع الخير والأمل في قلوب الناس، وتبعد الشر واليأس عن حياتهم». وألقى السيسي كلمة في الاحتفال، حيث عدّد خلالها مآثر البابا «ضيفًا عزيزًا وشخصية فريدة وقيادة دينية وروحية، ذات مكانة رفيعة، يجلّها الملايين من البشر، في كافة أنحاء العالم، من كافة الأديان على حد سواء»، مشيراً إلى أن مواقف البابا فرنسيس التي تقوم على تشجيع التسامح والسلام والتعايش بين جميع الأمم، تظل موضع إعجاب واحترام.وقال السيسي، إن زيارة البابا فرنسيس إلى مصر، تأتي في وقت يشهد فيه العالم أياماً يعلو فيها صوت العنف والكراهية، وتنطلق هجمات الإرهاب الأسود العمياء والهوجاء، لتضرب في كل مكان دون تمييز، فتفجع القلوب وتحرم الناس من الأهل والأحباء والأصدقاء، وأضاف «السيسي»: «ما يزيد من ألمنا أن قوى الشر تزعم ارتباطها بالدين الإسلامي العظيم، وهو منهم براء وهم منه نكراء»، مشيراً إلى أن الإسلام الحق لم يأمر أبداً بقتل الأبرياء، ولم يأمر أبداً بترويع الآمنين وإرهابهم، وإنما أمر بالتسامح والرحمة والعمل الصالح الذي ينفع الناس. وشدّد الرئيس السيسي، على أن الدين الإسلامي أمر باحترام الآخر وحقه في اختيار دينه وعقيدته، مثمناً مواقف البابا فرنسيس الداعمة لتفعيل الحوار مع المؤسسات الدينية المصرية بعد سنوات من التوقف، مشيراً إلى أن إعادة إطلاق حوار الأديان بين الكنيسة الكاثوليكية ومؤسسة الأزهر الشريف، يعد بمثابة خطوة تاريخية سيكون لها في تقديرنا أبلغ الأثر، في تقديم فكر ديني مستنير.وقال السيسي إن مصر ستظل دوماً مستعدة للاضطلاع بدورها كنموذج للإسلام المعتدل، وذلك لما تمتلكه من مقوّمات حضارية وتاريخية، مشيراً إلى أن المصريين المسيحيين هم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني المصري.وثمن البابا فرنسيس الدور الكبير الذي تلعبه مصر في الشرق الأوسط، خاصة في الدول التي تعاني الاضطرابات، لتفادي الانحدار في دوّامات العنف بسبب الرغبة الجامحة للسلطة والتطرف الديني، الذي يستغل اسم الله القدوس لارتكاب مجازر فظيعة.وقال البابا، إن مصر ستظل بلداً لن ينقص فيها الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية، مشيراً إلى أن هذا الهدف سيصبح واقعاً ملموساً، إذا وحد الجميع رغباتهم على قلب رجل واحد، وحوّلوها إلى قوانين مطبقة.وقال البابا خلال كلمة ألقاها في الحفل الذي نظمته مؤسسة الرئاسة والأزهر، في ختام فعاليات المؤتمر الدولي للسلام أمس، إن لدى مصر دور كبير في تعزيز السلام بالمنطقة، على الرغم من الجراح التي تتعرض لها على أرضها، نتيجة هذا العنف الذي ضرب أسراً تبكي موت أبنائها. وأضاف البابا: «إنني أفكر في الشباب ورجال القوات المسلحة والشرطة، وآخرين مجهولين سقطوا جميعاً نتيجة لأعمال إرهابية مختلفة، فضلاً عن التهديدات التي أدت إلى نزوح المسيحيين في شمال سيناء، وأعبر هنا عن امتناني للسلطات التي قدمت المساعدات لتلك الأسر».وأكد فرنسيس أن الجميع أصبح أمام وضع عالمي معقد يتطلب التوحد والتكاتف، لافتاً إلى أن الله لا يطلب العنف ولا يبرره؛ بل يدعو إلى المحبة والرحمة والأخوة والاحترام المطلق بين الناس. وقال إن التاريخ لا يغفر لمن يُقصون المختلفين عنهم ويقتلونهم، مختتماً كلمته بقوله «تحيا مصر».وأعرب البابا فرانسيس خلال اللقاء عن سعادته بزيارة مصر، مشيراً إلى مساهماتها القيمة في تاريخ البشرية، وسعيها لتحقيق السلام، مؤكداً أهمية الدور الذي تقوم به في الشرق الأوسط، ومثمناً جهودها من أجل التوصّل لتسويات للمشاكل الملحّة والمعقّدة التي تتعرض لها المنطقة، والتي تتسبب في معاناة إنسانية كبيرة للبشر.وقال السفير علاء يوسف، المُتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، إن اللقاء تضمن مباحثات حول سبل تعزيز مختلف جوانب العلاقات بين مصر والفاتيكان، لاسيما في ضوء تزامن زيارة بابا الفاتيكان لمصر مع الذكري السبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.وتبادل الجانبان في ختام اللقاء الميداليات التذكارية.وزار البابا فرنسيس الكنيسة البطرسية الملاصقة لكاتدرائية الأقباط الارثوذكس في القاهرة حيث استشهد 29 شخصا في هجوم انتحاري تبناه تنظيم «داعش» في كانون الأول/ديسمبر الفائت. وفي كلمة قصيرة في الكاتدرائية المرقسية، أشار البابا فرنسيس إلى «شهداء» الأقباط في الهجمات الأخيرة.وقال البابا فرنسيس إنه «تم مؤخرا وللأسف إراقة دم بريء لمصلين عزل وبقسوة ...آلامكم هي أيضا آلامنا. إن دماءهم الذكية توحدنا».
مشاركة :