يتوجب علينا ردع هؤلاء الوقحين الذين لا يكلفون أنفسهم مشقة اختيار ألفاظ ودودة ولائقة لتوجيه انتقادهم، وهذه أفضل وسيلة لمنعهم من تكراراها. العرب نهى الصراف [نُشر في 2017/04/29، العدد: 10617، ص(21)] الشعور بالإحباط الذي تولده إساءة لفظية من أحدهم أو سلوك يفتقد إلى اللياقة، قد يترك أثره فينا على مدى زمني أبعد مما نتصور. يحدث هذا الأمر، حتى وإن كانت هذه الإساءة غير مقصودة أو أن صاحبها لا يتقن فن المراوغة بالكلمات ويستسهل التعامل مع الآخرين بطريقة عشوائية ومربكة يسميها تلقائية، وهي بالتأكيد ليست في محلها إذا كانت سببا في انزعاج الطرف الآخر وتعكير مزاجه. هؤلاء في الغالب لا يلتفتون خلفهم كثيرا ولا يكلفون أنفسهم عناء جبر الكسور التي يحدثونها في قلوب الآخرين، بل إنهم في أحسن الأحوال قد يواجهون ضحاياهم في مصادفة غير سعيدة فيكررون على مسامعهم سخافات أخرى، ثم يدحرجون كلماتهم السمجة على الخط الفاصل بين تحية اللقاء وتحية الوداع، الذي سيكون هذه المرة نهائيا وحاسما من قبل الطرف الآخر. ويبدو أن محاولات استفزاز مشاعر الآخرين والاستهانة بهم أصبحت هواية للبعض الذين لا يجدون في أقوالهم وأفعالهم ما يستوجب معه الاعتذار أو محاولة تلافي تأثيره السلبي على الآخرين، لأنهم ببساطة لا يدركون الخطأ في ما يقترفونه؛ فالاعتراف بالخطأ هو المهارة الوحيدة التي لا يتقنها هؤلاء خاصة عندما لا يكون رد فعل الآخر بمستوى الإساءة، وهذا خطأ آخر يرتكبه الطرف الذي يتعرض للإهانة بدعوة التسامح والتغاضي عن الإساءة، وهي في الأساس سلبية واستسلام لا مبرر لهما، حتى وصل الأمر بالبعض إلى التغاضي عن كل ما يتسبب به الآخرون من جروح نفسية على طريقة “اكتب الإساءة على الرمال عسى ريح التسامح يمحيها”! وحين لا يجد هؤلاء في الغالب الكلمات المناسبة لرد الإساءة في لحظتها يتبع هذا شعور بالمرارة والندم، لأن الجواب المناسب لم يكن حاضرا وإن الإساءة لم تقابل بإساءة توازيها في القوة والانفعال. يؤكد متخصصون أن هذا النوع من الشخصيات السلبية هم أكثر من يتعرض لتنمّر الوقحين، وهم لا يدركون حقا بأن الأشخاص الذين يتواجدون في محيطهم الاجتماعي، ليسوا أكفاء ليملكوا الحق في إصدار أحكامهم وإطلاق نقدهم اللاذع على الآخرين، ولهذا يتوجب علينا دائما أن نكون مهيئين ونمتلك القدرة والوعي اللازمين على الرد والنقاش ودحض الآراء التي نراها في غير محلها، كما يتوجب علينا ردع هؤلاء الوقحين الذين لا يكلفون أنفسهم مشقة اختيار ألفاظ ودودة ولائقة لتوجيه انتقادهم، وهذه أفضل وسيلة لمنعهم من تكراراها. وعلى الرغم من أننا قد نصادف في حياتنا نماذج من الناس لا يمكننا تصنيفها ضمن إطار شخصية محددة السمات، بسبب صعوبة فهمها أو التعامل معها، إلا أن هذه السمة المزعجة بالذات تأتي كجزء أساس من تكوين الشخصية العدوانية، بحسب نظريات علم النفس الحديث، وإضافة إلى مواصفات الشخصية العدوانية المشاعة، التي تتميز بالتعامل بصورة عنيفة بالقول والفعل مع الناس، تمثل الإساءة اللفظية والنقد الجارح والانتقاد الذي لا يتبع أسلوبا لائقا، من ضمن السمات الواضحة في العدوانيين. ومع ذلك، فإن العدوانيين لا يمكنهم أن يتقبلوا أي فعل مشابه قد يصدر عن الآخرين بحقهم، فلا يتقبلون الانتقاد أو التوجيه حتى إذا تم طرحه بأسلوب واضح، وهذا هو مكمن التناقض في شخصياتهم العدوانية. ولهذا، ينصح متخصصون بوجوب رد الصاع صاعين لهؤلاء حتى يرتدعوا ولا يكرروا فعلتهم، فالرمال لم تعد المكان المناسب لكتابة الإساءة عليها! كاتبة عراقية مقيمة في لندننهى الصراف
مشاركة :