يمكنكم سادتي أن تثقوا بالطقس، بادروا بإجراءاتكم الاحترازية وقبل كل ذلك لا بد أن تضعوا عليكم قناعاً من إنسانية، قناعاً شفيفاً فقط، هذا كل ما نحتاجه!العرب نهى الصراف [نُشر في 2017/07/08، العدد: 10685، ص(21)] في الشهر الماضي، وعلى غير المعتاد، اجتاحت بريطانيا موجات حرّ تجاوزت فيها درجات الحرارة الـ32 درجة مئوية أو أكثر بحسب الأرقام التي سجلها خبراء الأحوال الجوية، مقارنة بدرجات الحرارة في الشهر ذاته قبل أكثر من مئة عام! وفي كل مرة، يقرر متخصصون بأن الأمر على ما يبدو يذهب في اتجاه صيف هو الأكثر سخونة في تاريخ البلاد. لكن الثبات ليس من شيمة طقس هذه البلاد والصيف فيها مجرد زائر طارئ، حيث شهدت درجات الحرارة في الأسبوع الأول من شهر يوليو الحالي انخفاضاً محسوساً، كما اختفت سحب الرطوبة التي خيمت على المزاج والأرواح الشهر الماضي. لا يمكن التنبؤ بالطقس في بريطانيا، هذه البديهة يؤكدها المثل الإنكليزي الذي يقول”لا تثق بثلاث كلمات تبدأ بحرف (w)؛ المرأة، الثروة والطقس!” ولهذا، فإن أي إجراءات احترازية لتجنب حرارة الصيف لن يكون لها معنى، فهو قد يرحل على غفلة ومن دون مقدمات ليحل المطر والرياح العاصفة، فضلاً عن أن معظم المنازل والمدارس وأماكن العمل غير مجهزة بالتكييف. وحتى من سوّلت لهم أنفسهم البحث في الأسواق عن جهاز تكييف وحالفهم الحظ، لم يتح لهم الطقس المتقلب الاستمتاع بصيدهم؛ فبين العثور على متجر يبيع هذه السلعة النادرة، ثم تهيئة قاعدة مناسبة لاستقبالها في منزل غير مهيّأ لذلك، كان الطقس قد اتخذ قراره المفاجئ وسحب معه موجة الحر الكاتمة إلى غير رجعة، فتحولت مكيفات الهواء إلى قطع أثاث مهملة سيعلوها الغبار حتماً في انتظار أسبوع ساخن، ربما يجود به صيف العام المقبل. في العراق، كل الأشياء قابلة للتغيير بين ليلة وضحاها؛ إذ أن صديق الأمس يمكن أن يكون عدوّ اليوم ورسل السلام يمكن أن يتحولوا إلى وكلاء جهنم، والجيران يمكن أن يصبحوا أصحاب المنزل الحقيقيين بمباركة اللصوص، أما لص الأمس فقد يصبح نجم الساعة من دون منازع. كل الأشياء قابلة للتغيير في هذا البلد العجيب إلا فصل الصيف؛ فهو ثابت في قسوته وشراسته وعناده؛ طقس ساخن، حارق، رطوبة لا تطاق. يكفي أن نقول إن درجات الحرارة في بعض مدنه تتجاوز الـ55 درجة مئوية، لنقرّب الصورة المخيفة إلى مخيلة القارئ. وفي مخالفة واضحة لقانون الطبيعة، فإن في العراق على ما يبدو ثلاثة فصول على مدار السنة؛ فصل الشتاء القصير، فصل الصيف القاسي وفصل طويل من الحزن، فيما يأتي موسم الامتحانات النهائية لتلاميذ الثانوية متوسطاً الصيف والحزن معاً، وهو كما في الأعوام السابقة يقابل بردّ فعل فاتر من قبل مسؤولين لا يفقهون في التخطيط ولم يطرق سمعهم مصطلح “إجراءات احترازية” وكأنهم ينوؤون تحت وقع المفاجأة. يجلس الطلاب في قاعات رطبة غير مكيفة على مقاعد مكسورة ويطلب منهم أن يصنعوا معجزات. كل عام تتكرر هذه الصورة المؤلمة، لكن هذه هي المرة الأولى التي يؤدي فيها التلاميذ (الذكور) امتحاناتهم وهم يتحررون من قطع ملابسهم التي غمرتها الرطوبة، حيث تتسابق قطرات العرق مع أنفاسهم الساخنة لتشويش المشهد في ورقة الامتحان، فتبدو الإجابة على الأسئلة وكأنها تخليص لذنوب لم ترتكب بعد. أمر غريب. مسؤول لا يشعر بالمسؤولية! ومازال معجباً بالمثل الإنكليزي أيّما إعجاب، على الرغم من أن الصيف العراقي واثق من نفسه ثابت بقسوته وشراسته، طويل ومرعب. لا بأس. يمكنكم سادتي أن تثقوا بالطقس، بادروا بإجراءاتكم الاحترازية وقبل كل ذلك لا بد أن تضعوا عليكم قناعاً من إنسانية، قناعاً شفيفاً فقط، هذا كل ما نحتاجه! كاتبة عراقية مقيمة في لندننهى الصراف
مشاركة :