في أدبيات المعايدات الإلكترونية - فهد السلمان

  • 8/2/2013
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أيام قليلة، ويهلّ علينا العيد (كل عام وأنتم بخير)، ليبدأ مهرجان المعايدات الإلكترونية، ولنا.. أو لبعضنا على الأقل في هذا الإطار سلوكيات عجيبة قد تبلغ مرتبة تبجيل الذات، يتصل بك أحدهم فيقول : معك (أبو خالد)، أو يكتب لك آخر رسالة جوال فيوقعها ب (أبو فيصل)، ولو أردتَ أن تحصي من تعرفهم بهذه الكنى مع تشابه أسمائنا لأعيتك الحيلة. طيب.. يا أخي : عرّفني بنفسك، لماذا تصرّ على أن تعرفني بابنك، أنت من يتصل بي أو يكتب إليّ، وليس ابنك، ثم إن (أبو) ليس اسم علم، حتى في عالم الحيوان هنالك آباء وأمهات، لكن هذا كله (كوم) ومن يفترض أنك لا بد وأن تحتفظ برقم هاتفه حتى لو لم يهاتفك في حياته سوى مرة واحدة كوم آخر، وكأنك ملزم بجمع كل هواتف خلق الله في هاتفك، ليبدأ في مفاصلتك بنكهة لا تخلو من عتب، كما لو كان صديقا حميما طاله منك بعض العقوق : (ها، ما عرفتني؟)، (حك علابيك ؟) .. يا أخي والله حتى ولو أدميتها فلن أعرفك.. من أنت ؟، ليمضي نصف وقت المكالمة في محاولة حل لغز اسم المتصل! . ما الذي يضيرنا من أن نعرّف بأسمائنا في مستهل المكالمة ؟ ما الذي يدفع البعض للاكتفاء بتقديم نفسه من خلال كنيته، وكأنها اسمه الموسوم في بطاقة الهوية الوطنية ؟، أهو الإمعان في تبجيل الذات؟ أم هو الشعور بالعلمية حتى بنغمة الصوت؟ أم أنه لا هذا ولا ذاك، وإنما التمتع بإيهامك ولو للحظات بالتقصير في حق قريب منك أو صديق نسيته، أو تكابرت عليه؟ من يتصل لا يعرف ما هي ظروف الطرف الآخر، ولا مكانه. غير أن الطريف، والذي هو بالتأكيد مبعث هذه التداعيات، والتي قد تبدو سخيفة وساذجة، أنني تلقيتُ اتصالا قبل أيام لأمر ما من رجل ثمانيني، هو أقرب للأمية مما سواها، وأجزم أنه لا يحمل هاتفا جوالا، وربما لا يعرف كيف يستخدمه، وقد يكون اتصل من هاتف أحد أبنائه بعد أن ركب له الرقم. أدهشني الرجل بإصراره على ذكر اسمه الرباعي مرتين رغم علميته بالنسبة لي قبل أن يفتح موضوعه. هذا الاتصال أعادني إلى تذكر اتصال علابيك ) مع أستاذ جامعي لا بد أنه استخدم الجوال في أمريكا أثناء دراسته هناك منذ زمن بعيد، وقبل أن نسمع هنا بشيء اسمه الجوال، ويُصبح جزءاً من ضرورات حياتنا، لأزعم أن ثقافة أدبيات الاتصال لا علاقة لها بحجم ما نعرف من المعلومات، ولا بحجم قدرتنا على قراءة الكتالوجات، وإنما هي ثقافة تتصل بالدرجة الأولى بأخلاقيات احترام الوقت، وتحاشي التلذذ بإيهام الآخرين بالجفاء أو التقصير، ومحاولة إسالة العرق من جباههم تحت طائلة تأنيب الضمير من أن يكون هذا المتصل أو ذاك صديقا عزيزا خانتك ذاكرتك وهاتفك من التواصل معه. إنها ثقافة الذوق الرفيع المعجون بالثقة بالنفس والتواضع في وقت واحد!.

مشاركة :