حتى لا نخدع أنفسنا

  • 5/1/2017
  • 00:00
  • 23
  • 0
  • 0
news-picture

ليس ثمة خلاف على أن المنطقة العربية تعيش أخطر مراحلها ربما منذ الغزو العراقي للكويت عام 1990، وأن الصمود في مواجهتها خليجياً وعربياً يمكن أن يجنب الخليجيين والعرب تبعات مؤلمة ستستمر عقوداً، وربما تتفاوت كلفة التحمل بين دولة عربية وأخرى، لكن الجميع من دون استثناء سيتكبدون ثمناً غير قليل. ومن دون مواربة، فإن الأطراف التي تدفع في اتجاه تماسك العرب ووحدة وصيانة مواطن العافية والقوة بينهم هي الأطراف التي تدافع عن المستقبل الخليجي والعربي، أما القوى التي تدفع في اتجاه الإضعاف والتفتيت والتفريق والتشكيك والإرباك فإنها تدفعنا دفعاً إلى الهاوية السياسية والاقتصادية التي يراد لنا أن نسقط فيها، وعلى رأسها، قولاً واحداً ومن دون مواربة، جماعة «الإخوان المسلمين». هناك ثلاثة تكتيكات شيطانية تستخدمها الجماعة في الفترة الأخيرة، وإن أردنا الدقة فهي تستخدم هذه التكتيكات منذ وقت طويل، لكنها كثفت استخدامها في المرحلة الحالية لتسريع ما تنشده من انهيار خليجي وعربي، لأنها تعتقد منذ وقت طويل أن هذا الانهيار هو الطريق الوحيد للوصول إلى هدفها الذي لا تبتغي سواه: السلطة، وبأي طريقة، ومهما كان الثمن، وأياً كانت الكوارث التي ستحل بالشعوب العربية والإسلامية، فهذا كله يأتي تالياً للحصول على السلطة. وهذا ما يؤدي بالجماعة إلى انتهازية كريهة تقودها إلى عقد تحالفات مع كل من تتوهم أنه سيوصلها إلى مبتغاها، سواءً أكان حكومة أميركية مهتزة القرار، أم جماعة إرهابية لا تعرف غير القتل الوحشي. التكتيكات الثلاثة التي أعني تتمثل في العمل من أجل تخريب كل دولة عربية أو إسلامية من الداخل، وإثارة القلاقل والمشكلات وتأليب القوى الداخلية بعضها على بعض، وشن حملات تشويه لا تتوقف لإظهار الدولة المستهدفة في أسوأ صورة ومحاولة تأليب العالم عليها. والتكتيك الثاني هو محاولة الإيقاع بين كل دولة عربية وأخرى، ولا سيما إذا كانت هذه العلاقات تمثل رصيد قوةٍ عربيةٍ معتبرة، وتؤدي دوراً في حفظ الأمن العربي وصيانته ضد أخطار محدقة. والتكتيك الثالث هو عقد التحالفات والصلات مع أشرس أعداء العالم العربي، ومد اليد من وراء ستار إلى أكثر من يتربصون به ويتآمرون عليه ويسعون في تدميره بلا هوادة. أما عن محاولة التخريب من الداخل، فيمكن أن نراها في كل دولة تصل إليها مخالب الجماعة، ففي دولة الإمارات، كنموذج خليجي، لم يتردد أتباع الجماعة في محـــاولة إحداث أي ثغرة في المجتمع على خلفية الاضطرابات التي نشبت في دول عربية عام 2011، وحين واجهوا حقيقة فشلهم الذريع تآمروا لقلب نظام الحكم على النحو الذي أثبتته تحقيقات دقيقــة روعي فيها أعلى درجات النزاهة والشفافية، وتابعتها جهات مستقلة من مختلف أنحاء العالم، وصدرت على إثرها أحكام إدانة قاطعة قائمة على وثائق لا تقبل الدحض أو التشكيك. ومن ثم بدأت حملات المظلومية والتشكيك ومحاولات التشويه المحمومة التي تحتل الواجهة فيها أبواق مدفوعة الثمن، ومنظمات مزعومة لـ «حقوق الإنسان» ليست مصادر تمويلها بمجهولة أو غائبة عن الأعين. لم تنجح هذه الحملات الكاذبة في أن تُقنع أحداً، ذلك أن دولة الإمارات تقدم نفسها إلى العالم من خلال نجاحات متلاحقة في كل المجالات، ولا تكاد تُذكر إلا مقرونة بإنجازات كبرى في حقول التنمية جميعها. لكن السؤال يبقى ملحاً عن كنه أولئك الذين يسخّرون كل طاقاتهم للإساءة إلى إخوتهم وأشقائهم وأهلهم، وإلى الأرض التي احتضنتهم ورعتهم، ولا تزال، وإلى الوطن الذي وفر لهم أفضل فرص الحياة الكريمة، وتسامح كثيراً مع ما بدر منهم من سوء قول وفعل، ومنحهم الفرصة مرة تلو مرة ليثوبوا إلى رشدهم. حال دولة الإمارات، أكثر من غيرها، تكشف عن مدى الاستلاب الفكري الذي تمارسه الجماعة على من يسقطون في براثنها. وما فعله أتباع الجماعة كان أقصى ما بوسعهم فعله، وليس ما يريدون فعله، لأن ما يريدون فعله أفدح وأعظم. ويمكننا أن نرى نموذجاً له في مصر، التي مارست فيها الجماعة الإرهاب من طريق خلاياها وأجنحتها، كما تحالف «الإخوان» مع الجماعات الإرهابية التي تقتل المصريين حيثما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، في سيناء أو في محافظات مصر ومدنها وقراها. التكتيك الشيطاني الثاني هو بث الفرقة بين الدول العربية ما وجدت الجماعة سبيلاً إلى ذلك. ويمكن في ضوء الأحداث الحالية أن نعيد قراءة مسيرة قناتهم التلفزيونية المعروفة التي أدت دوراً في تنفيذ مخططاتهم منذ نشأتها، وأن نعي أن ذلك ليس من قبيل المصادفة، إذ كانت إثارة الأزمات والخلافات والشقاقات العربية - العربية واحدة من مهامها التي لا تزال تمارسها بإصرار. وخلال السنتين الأخيرتين كرست جماعة «الإخوان» جهودها لمحاولة إيجاد شرخ بأي صورة من الصور بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، لأن التحالف القوي بينهما في حماية البحرين من المؤامرات، ثم المسارعة إلى إنقاذ اليمن من العصابات الحوثية، مثّلا إشارة إلى تحول خليجي وعربي في مواجهة التحديات بحزم وحسم، وهو ما يقلق جماعة «الإخوان» التي ترى في الضعف والتردي العربيين فرصتها الملائمة. لقد استخدم «الإخوان المسلمون» كل ما بوسعهم للإساءة إلى دولة الإمارات والتشكيك في دورها في اليمن، غافلين عن أن الدماء الزكية لأبناء المملكة وأبناء الإمارات قد امتزجت في ميادين الشرف الذي لا نصيب لهم منه. ويتجسد في هذا السلوك أسوأ أشكال الغدر، ويمضي بنا إلى نتيجة واحدة، هي ضرورة قطع دابر الفتنة والقضاء على «الطابور الخامس»، لأنه أعظم خطراً من العدو الصريح. التكتيك الثالث هو إقامة العلاقات، ظاهرة وخفية، مع الدول والقوى الإقليمية التي لا تخفي أطماعها في العالم العربي، وتتـــدخل في شؤون الدول العربية وتعاديها وتنتهـــك سيادتها ما وجدت فرصة لذلك. وتقدم علاقات «الإخوان المسلمين» بكل من تركيا وإيران نموذجاً لذلك، ففي حال تركيا فإن أفرع الجماعة تعد ذراعاً تركية داخل بلدانها، سواءً في الخليج أم في الدول العربية الأخرى، وهم يجعلون مصلحة تركيا فوق مصلحة بلدانهم وفوق المصلحة العربية العامة، ويعملون أبواق دعاية لطموحاتها التي تأتي على حساب الدول العربية وأمنها واستقرارها. والأمر مع إيران أخطر بكثير، فـ «الإخوان» لم يترددوا في عقد صلات مع إيران لأن كلاًّ من الطرفين يرى في ضعف العالم العربي مصلحة له، وإن تكن الأهداف النهائية مختلفة لكل منهما. ويجب أن نذكر أن العام الذي حكم فيه «الإخوان» مصر شهد نمواً غير مسبوق للعلاقات بينهم وبين إيران، وأن فترة حكم محمد مرسي هي التي شهدت زيارة محمود أحمدي نجاد الأزهر وسط امتعاض من المصريين ومن علماء الأزهر ورموزه. إزاء كل ما سبق، هل يُعقل أن تكون هناك قوة أو دولة تدعم «الإخوان المسلمين» لتحقيق مثل هذه الأهداف التخريبية؟ هل يمكن أن نقبل من أي جهة أن تكون ظهيراً لجماعة لا تبغي غير زعزعة الاستقرار وبث الفتن؟ لقد دعم أوباما «الإخوان المسلمين» حين قرر إضعاف العالم العربي، واقترن ذلك بتقارب غير مسبوق مع إيران، ويبدو أن الأمرين مرتبطان، فهل يغيب ذلك عن أذهان من يسعون سعياً محموماً إلى تبرئة الجماعة من كل جرائمها الظاهرة في حق المسلمين؟ هذه أسئلة يجب أن نطرحها على أنفسنا بصراحة، وأن نجيب عنها بصراحة أيضاً ونتصرف على أساس من هذه الإجابة، وما دون ذلك خداع للنفس لن تكون عواقبه محمودة في أي حال.     * كاتب إماراتي

مشاركة :