دراسة العلوم الاجتماعية باتت ضرورة ملحة لأنها تساعد في زيادة وعي المواطنين العرب وتعميق ثقافتهم في شتّى مناحي الحياة.العرب سمير الشحات [نُشر في 2017/05/02، العدد: 10620، ص(12)]العلوم الإنسانية والاجتماعية ضرورية في هذا المنعرج الحضاري يطرح الكثير من المفكرين العرب سؤالًا يبدو فضفاضا مع أنه في منتهى الأهمية، ألا وهو: كيف يمكن إعادة تشكيل بنية العقل العربي وهو الذي باتت تسيطر عله الغيبية والتعصب والتحيز ورفض الآخر؟ ويجيبون لن يتم ذلك إلا بإعادة بناء وتركيب الأفكار والمبادئ والقيم، فمن سيقوم بتلك المهمة الصعبة يا ترى؟ أليست العلوم الاجتماعية والإنسانية، كالفلسفة ومقارنة الأديان والتاريخ والسياسة وعلم النفس والسلوك والجغرافيا؟ العلوم الإنسانية تتضاعف أهميتها هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى كي نفهم التحولات التي طرأت على الذهنية العربية، ثم نسعى إلى هدم الرواسب المعطلة للتطور ونبدأ بتأسيس البنيان الثقافي والاجتماعي والنفسي للإنسان العربي من جديد. ويتساءل هؤلاء كيف يمكن للإنسان العربي اقتحام مستقبله قبل أن يفهم ماضيه فينقحه مما علق به. أليس في دراسة التاريخ ما يضع أيدينا على مكامن الخلل فنعالجها؟ أليست دراسة الجغرافيا ترشدنا إلى حجم ثرواتنا ومواردنا فنحافظ عليها ونمنع نهم الطامعين فيها الذين يدمروننا الآن بسببها تدميرا؟ دراسة العلوم الاجتماعية إذن باتت ضرورة ملحة لأنها تساعد في زيادة وعي المواطنين العرب وتعميق ثقافتهم في شتّى مناحي الحياة، فتنمي لديهم القدرة على استيعاب أسباب المشكلات، سواء على المستوى الشخصي أو المجتمعي، وليس هذا فحسب، بل إنها ترسم أمامنا معالم الطريق والآليات الواجب اتباعها لتحسين مستوى المعيشة.ما يحتاج إليه العرب هو تطوير مناهج البحث، وإتاحة المعلومات أمام الباحثين، والتخلص من أكذوبة أن الإنسان لم يعد يحتاج إلى علوم الإنسان محبو العلوم الاجتماعية يطرحون سؤالًا جوهريًا آخر هو ما السر وراء عظمة الحضارات وتفوقها، هل فقط القوة الخشنة المتمثلة في الصناعة والزراعة والسلاح والجيوش والصادرات والواردات، أم في القوة الناعمة المتمثلة في الثقافة والآداب والفنون والفلسفة والعلوم السياسية والعمارة والموسيقى؟ ألا تباهي الدول المتقدمة بعضها بعضا حاليا بأفلام السينما والمسلسلات والروايات والأغاني ومنتجات الثقافة الرفيعة؟ ما يبني المجتمع ويحقق عظمته وتفرده هو الإنسان، من خلال قيمه الروحية وأخلاقه ومبادئه التي يؤمن بها، فإن نحن أهملنا العلوم الاجتماعية والإنسانية فإننا نكون ببساطة كمن يجعل الإنسان مجرد آلة صمّاء لا همّ لها إلا الإنتاج المادي، وحتى هذا الإنتاج المادي البحت لن يزدهر إلا بازدهار الأفكار والمبادئ والقيم الروحية لهذا الإنسان. ويرد الداعون إلى تطوير العلوم الاجتماعية في جامعاتنا ومدارسنا على منتقدي تلك العلوم بأنها صارت لا قيمة لها نظرًا إلى بطالة دارسيها وعدم احتياج المجتمع إليهم، وبأن العيب ليس في العلوم الاجتماعية نفسها وإنما في أنظمتنا التعليمية المهترئة، وهو التدهور الذي لم يقتصر على العلوم الإنسانية وحدها بل يمتد ليشمل العلوم التطبيقية نفسها، كالفيزياء والكيمياء والطب والهندسة. يقول البعض إن دارس العلوم الاجتماعية في المجتمعات العربية لا يجد مكانًا له في سوق العمل، فهل يجد الأطباء والمهندسون والاقتصاديون وأرباب الحرف مكانًا لهم هم أيضًا أم أننا كثيرًا ما نرى أطباء وصيادلة ومهندسين يعملون مندوبين للمبيعات.. بل وسائقين لسيارات الأجرة أحيانًا؟ ويتحدث مناصرو العلوم الاجتماعية عمّا يسمونه “الدافع المعنوي” للفرد، والذي يحفزه على المزيد من العطاء والإنتاج، وبالطبع فإن العلوم الاجتماعية هي المسؤولة عن خلق وتنمية هذا الدافع لدى الأفراد، من خلال بث القيم التي تحث المواطن على بذل الجهد والتفاني في العمل والاجتهاد. ويذكّرنا هؤلاء بأن الحضارة الأوروبية الحديثة قامت على أكتاف الفلاسفة والمثقفين والأدباء والفنانين الذين مهدوا الطريق أمام البحارة والتجار وأرباب الصناعة والزارعين وأصحاب الحِرف، إذ أن الأفكار هي التي تصنع الحضارات وليست الآلات والماكينات. ما ينقص الأمة العربية في هذه اللحظة الفارقة في تاريخها هو التنوير وتحديث الأفكار، باعتبارهما الطريق الوحيد لتحقيق التنمية المنشودة. وإذا كان ثمة مجتمع على وجه الأرض الآن في أمسّ الحاجة إلى تلك العلوم الإنسانية فهو المجتمع العربي، لكونه يعاني الارتباك الروحي والفكري والنفسي والاجتماعي، وليس أدل على ذلك من تفشي العنف والتطرف وصولًا إلى الإرهاب. ما يحتاج إليه العرب هو تطوير مناهج البحث، وإتاحة المعلومات أمام الباحثين، والتخلص من أكذوبة أن الإنسان لم يعد يحتاج إلى علوم الإنسان.
مشاركة :