«يَعوجُّ المسجد ولا يَعوجُّ الحق»

  • 5/3/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

محمد خالدفي زمن الرضا، تتقدم الأوطان، خطوة إلى الوراء وخطوتين إلى الأمام .وفي زمن القهر، تتراجع الأوطان ثلاث خطوات إلى وراء وعشر خطوات نحو المهجر.في الزمن الرديء عندما حكم المغول بغداد كان الجلاد يقوم بعمله بقطع رؤوس المهزومين منذ الصباح، وكانت الطوابير المهزومة تقف في الصفوف تنتظر بلا مقاومة لكي يقوم الجلاد بقطع الرؤوس. وعندما كان يتعب آخر النهار يطلب منهم أن يرجعوا في الصباح التالي ليتم السياف عمله بقطع الرؤوس.في زمن القهر تملك الشعوب عزيمة طائر الفينيق الذي يبعث من تحت الرماد ليحلق عالياً نحو القمة.بعض الأمثلة تشرح:في تاريخ العرب فتوحات أغنت العالم حوالي 1525 سنة:عهد الخلفاء الراشدين (25 سنة)، الإمبراطورية الأموية (200 سنة)، الإمبراطورية العباسية (500 سنة)، الإمبراطورية الأندلسية (800 سنة).في عهد الخلفاء الراشدين تمت هزيمة أكبر إمبراطوريتين في ذلك الزمن: الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية البيزنطية.الخليفة الأول أبوبكر الصديق أطلق صفعة لجميع المنافقين في العالم تنطبق على كل الشعوب عندما بالغ أحد المنافقين في مدحه، فقاطعه الخليفة قائلاً: «إنني أقل مما تقول وأكبر مما تظن». ومن هنا جاء المثل الذي يقول: احذر المنافق لأنه يقول لك رأيك لا رأيه.في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب تم فتح مصر، فقام الخليفة بتعيين عمرو بن العاص والياً عليها، وعندما بدأ في تأسيس مدينة الفسطاط (القاهرة حالياً) اختار مكاناً لبناء مسجد كبير يؤمه الناس كل يوم جمعة ليستمعوا من الوالي عن المشاريع والأخبار الآتية من المدينة المنورة والتعليمات الآتية من الخليفة عمر.وقد اختار عمرو بن العاص مكان المسجد وبدأ ببنائه، وفي أطراف المسجد كانت غرفة صغيرة لرجل يهودي تعترض تكملة البناء فدفعوا لصاحبها مبلغاً من المال وعرضوا أرضاً كبيرة ليبنوا له منزلاً كبيراً، ولكن اليهودي رفض، فما كان من الوالي أن هدم الغرفة واستكمل بناء المسجد الكبير.أرسل اليهودي كتاباً إلى الخليفة عمر في المدينة المنورة رافعاً شكواه مما فرض عليه من دون موافقته.وفي أحد أيام الجمعة وقف عمرو بن العاص يقرأ رسالة من الخليفة عمر، تقول: «من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى والي مصر عمرو بن العاص، أعد لهذا الرجل اليهودي بيته.. يعوج المسجد ولا يعوج الحق».وضع الوالي كتاب الخليفة عمر على رأسه قائلاً: أمر أمير المؤمنين على رأسنا، وتم هدم طرف المسجد وإعادة بناء غرفة اليهودي في مكانها الأصلي.في عصر الجاهلية كان هناك أمير على إحدى القبائل الوثنية، وكان هذا الأمير مضيافاً يكرم كل غريب يلجأ إليه، إلا أنه كان يتطير في بعض الأيام بحيث إنه يأمر بقتل أول ضيف يأتيه في ذلك اليوم النحس، وفي أحد تلك الأيام جاءه ضيف جديد فقال له: «لقد جئت في يوم نحس وإنني لقاتلك»، قال الضيف سيئ الحظ إنه يطلب من الأمير أن يعطيه فرصة سنة يعود بها إلى أهله وقبيلته ليقوم بتسديد ما عليه من ديون ثم يعود لينفذ الأمير وعده، فقال له الأمير: ما الذي يضمن أنك ستعود لتفي بوعدك؟ فقام أحد أعوان الأمير وقال إنه يكفل هذا الغريب وإذا لم يعد الرجل بعد سنة فإنه مستعد ليُقتل مكانه.. عاد الضيف إلى قبيلته وغاب سنة كاملة إلا يوماً واحداً.قال الأمير لكفيل ذلك: يا صاحبي إن من كفلته لن يعود غداً وسوف تموت بدلاً عنه، أجاب الكفيل: بقي يوم واحد فلتنتظر «ان غداً لناظره قريب»، وذهب ذلك مثلاً.وفي اليوم وقبل مغيب الشمس عاد ذلك الرجل على حصانه، ودخل إلى ديوان الأمير حاملاً كفنه بيده، ذهل الأمير وجميع مرافقيه فقال له الأمير: كنت عدت بعد سنة لتقتل ولم تنج بحياتك.فأجابه الرجل: «إن ديني يأمرني بالوفاء بالعهد».فقال الأمير: ما هو دينك؟ أجاب الرجل: إن ديني هو النصرانية. فطلب منه أن يشرح له تفاصيل هذا الدين، وعندما شرح الرجل مبادئ دينه، قام الأمير واعتنق النصرانية هو وجميع أفراد قبيلته.كل هذه الأمثلة ليست للتقليد ولا للبكاء على الأطلال، ولا للجوء إلى التمسح ببطولات ماضية لأن الشعوب الحية تخرج من زمن القهر لتبني أمجاداً جديدة، متمسكين بتلك الحكمة العتيقة «الصواب صواب حتى لو كان الكل ضده، والخطأ خطأ حتى لو كان الكل معه».الأمم القوية تخلق أبطالاً جدداً كل مرة في زمن النهوض ولا تجتر أمجادها الماضية لتغطي على هزائمها الحالية.

مشاركة :