مسلمو فرنسا.. خيار جمهوري لماكرون وورقة انتخابية للوبانتترقب الجالية المهاجرة بفرنسا بقلق نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية. وسيحدد اقتراع السابع من مايو القادم مستقبل المسلمين الذين منهم من يكن لهم اليمينيون المحافظون العداء بزعامة المرشحة المتشددة مارين لوبان. ويدعم المسلمون المرشح الوسطي إيمانويل ماكرون الذي ميز نفسه عن منافسته بمشروعه الوطني الرافض للإقصاء. ويقدم برنامجا يطالب بهيكلة مؤسسات الإسلام وتوضيح مبادئ العلمانية القائمة على الحرية وحظر الاستثناء، مقابل توظيف لوبان عداءها للمسلمين كورقة انتخابية لحشد أنصارها في السباق الانتخابي.العرب [نُشر في 2017/05/03، العدد: 10621، ص(7)]فرنسا حاضنة لكل الثقافات والأديان باريس- تحتدم المعركة الانتخابية في فرنسا مع اقتراب الجولة الثانية لسباق الرئاسة الفرنسية المزمع إجراؤها الأحد القادم. ويتناول مرشحا الرئاسة الفرنسية إيمانويل ماكرون ومارين لوبان مختلف قضايا الرأي العام الفرنسي لاستقطاب الناخبين وتقديم برامجهما الانتخابية لحشد الأصوات وتهيئة الطريق نحو الإليزيه. وأفرز الدور الأول من الانتخابات الفرنسية يوم 23 أبريل، فوز ماكرون بنسبة 24.01 بالمئة من الأصوات، وحصلت لوبان على 21.30 بالمئة، وفق ما ذكرته وزارة الداخلية الفرنسية. وتتوقع استطلاعات الرأي الفرنسية فوز ماكرون وزير الاقتصاد السابق بجولة الإعادة الأحد القادم بما بين 59 و60 في المئة. وتعد انتخابات السابع من مايو مفصلية في تاريخ فرنسا، إذ سيصوت الفرنسيون نحو مشروعين متناقضين؛ حيث يدعم ماكرون سياسة الانفتاح والوسطية والعولمة وينادي بالتمسك بقيم الجمهورية والقيم الغربية الحرة التي لطالما عرفت بها فرنسا منذ عصر التنوير والإصلاح.التعديل التكتيكي الذي تتبناه لوبان سعيا وراء استقطاب ناخبي اليمين، لم يفلح في الحد من عدائها لمسلمي البلاد في المقابل تدعو لوبان الفرنسيين إلى الانغلاق وانكفاء فرنسا على ذاتها عقب ما شهدته من هجمات إرهابية كان أحدثها هجوم الشانزليزيه، قبل أيام من الاقتراع الأول من الانتخابات والذي تبناه تنظيم داعش. وتعيش فرنسا حالة طوارئ منذ 2015 وشهدت موجة هجمات لإسلاميين متشددين ارتكب معظمها شبان ترعرعوا في فرنسا وبلجيكا. وقتل أكثر من 230 شخصا في العامين الماضيين. وقبل أيام من الجولة الأولى في 23 أبريل الماضي، قتل شرطي فرنسي بالرصاص وأصيب آخران في وسط باريس في هجوم أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عنه. وتعزز الهجمات الإرهابية ونجاح الشعبوي دونالد ترامب في رئاسة الولايات المتحدة الأميركية حظوظ اليمينية المحافظة لوبان. كما تزيد من حدة العداء للمهاجرين وبصفة خاصة الجالية المسلمة منهم. ويعد الإسلام والمسلمون في فرنسا ورقة انتخابية لمرشحي الرئاسة الفرنسية. ونجاح أي منهما في السباق الانتخابي سيحدد مستقبل الجالية المسلمة والمهاجرين عموما. وبين إيمانويل ماكرون المرشّح الوسطي الرافض لأن يكون الدين عموما والإسلام بوجه خاص مشكلة في فرنسا، وبين مارين لوبان المرشّحة اليمينية المتطرّفة الحاملة لخطاب عدائي تجاه مسلمي فرنسا، يبدأ العدّ التنـازلي للدور الثـاني لرئـاسيات فرنسا. وتنبئ الجولة المقررة الأحد بمنافسة شرسة بين مرشح حركة “إلى الأمام” صاحب المركز الأول للدور الأول للرئاسية الذي جرى قبل أسبوع، بـ 24.01 بالمئة ومرشحة “الجبهة الوطنية” بـ 21.30 بالمئة، وتدفع إلى السطح بأحد أبرز مواطن الخلاف بين المرشحين، ألا وهو الإسلام. ماكرون وسياسة الانفتاحالإسلام والمسلمون ورقة انتخابية "مربحة" لمرشحي الرئاسة الفرنسية لا يطرح الإسلام بالنسبة إلى ماكرون أي إشكال في فرنسا شأنه في ذلك شأن بقية الديانات، بل إن “مكانته باعتباره ثاني الأديان في البلاد لا يستدعي مراجعة قانون الفصل بين الدين والسياسة الصادر عام 1905”، والذي وضع أسس العلمانية في فرنسا الحديثة، وفق برنامج المرشح المنشور على الموقع الرسمي لحركته. ويختار ماكرون الوقوف في خط الوسط في ما يتعلق بالمسألة الدينية، وقد لخّص موقفه من الإسلام في 3 نقاط أساسية. ووعد المرشح الرئاسي بضمان حياد الدولة لضمان الحرية الدينية لجميع الفرنسيين، حيث يعتبر أنّ مفهوم العلمانية في بلاده يشهد نوعا من الخلط الذي يفسح المجال لفرض قيود على ممارسة الأديان. وبالنسبة لماكرون، فإن عددا كبيرا من الفرنسيين يخلطون بين العلمانية وحظر التظاهرات الدينية، وهو ما يوظفه البعض لخدمة أهدافهم. وسيعمل المرشح الرئاسي على توضيح هذا الخلط في حال صعوده إلى الحكم، من خلال استعادة العلمانية لمفهومها كمصدر للحرية، فـ “الحرية هي القاعدة والحظر استثناء”. وتعهد أيضا بضمان الحرية الدينية في الأماكن العامة، معارضا حظر ارتداء الرموز الدينية في الجامعة. كما تطالب بذلك منافسته المرشحة اليمينية مارين لوبان، من منطلق قناعته بأن طلبة الجامعات واعون بما فيه الكفاية لتحديد توجهاتهم الدينية. أما في الأماكن العامة، مثل الشوارع والشواطئ، فيرى ماكرون أن التعبير عن هذه القناعات يظل حرا شريطة ألا يمس بالنظام العام. ويقترح المرشح الوسطي لتعزيز تمثيلية المسلمين في البلاد، مواصلة هيكلة مؤسسات الإسلام في فرنسا، للتصدي لجميع التجاوزات المتطرفة التي “تحول قيم هذا الدين عن وجهتها الصحيحة”. وينبثق هذا الاقتراح من قناعته بأن مسلمي فرنسا يتطلعون إلى اندماج أكبر في المجتمع الفرنسي وتمثيلية أوسع لهم في المشهد السياسي للبلاد، خصوصا وأن ما لا يقل عن 10 بالمئة فقط منهم يشعرون بأنهم ممثلون من قبل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، أبرز المنظمات التي تعنى بتمثيل المسلمين في فرنسا. ويعتبر ماكرون أن “هيكلة أكبر لمؤسسات الإسلام بفرنسا تمكن من مكافحة الخطاب المتطرف”، متعهّدا بـ “التحرك لمساعدة المسلمين على هيكلة الإسلام في فرنسا”. وانتقد ماكرون تدخل الدولة في تنظيم الدين الإسلامي في بلاده، واصفا إياه بـ”العشوائي” و”المتناقض”. وأنشأت الحكومة الفرنسية في عام 2016 مؤسسة الإسلام بفرنسا، غير أنه، وبموجب قانون عام 1905 للفصل بين الدين والسياسة، لم تسند إليها سوى المشاريع ذات الطابع الاجتماعي والثقافي العام مع إقصاء للمسائل الثقافية الجوهرية. مع حصول المرشحة على المركز الثاني بالجولة الأولى للرئاسية، تدعمت ثقتها في حظوظها، كما لم تغفل عن تمرير رسائلها المعادية للمسلمين ولرأب النقص الحاصل، يقترح المرشح الرئاسي إنشاء مؤسسة جديدة للإسلام تفسح المجال للنظر في أبرز المسائل المتعلقة بالإسلام في فرنسا، من ذلك بناء وتحسين أماكن العبادة، إضافة إلى تكوين الإئمة. ويعتبر ماكرون أن “حرية الدين تكمن أيضا في ممارسته في ظروف لائقة”، ولتحقيق ذلك يدعو إلى “إنشاء اتحاد فرنسي يجمع المنظمات الثقافية المحلية التي وقع تأسيسها في الإطار المحدد من قبل قانون 1905”. ويرى المرشح أن هاته المنظمات ستوفر عن طريق التبرعات التي تحصل عليها التمويلات اللازمة لتجديد وبناء المساجد وتكوين الأئمة، في تمش يتطلع من ورائه إلى تشجيع انخراط الأجيال الجديدة من مسلمي فرنسا، في إدارة الإسلام في هذا البلد. ودعا العشرات من الباحثين والعلماء الفرنسيين الناخبين إلى التصويت لصالح المرشح الوسطي إيمانويل ماكرون بالدور الثاني من الانتخابات الرئاسية؛ بهدف “قطع الطريق على الأسوأ”، في إشارة إلى مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان. وستكون هذه المرة الأولى في فرنسا التي ينتخب فيها رئيس لا ينتمي إلى الأحزاب السياسية الرئيسية بعد هزيمة مرشحي الاشتراكيين وحزب الجمهوريين المحافظ في الجولة الأولى من التصويت في 23 من أبريل الماضي. لوبان وتعديل تكتيكي العداء الذي تناصبه مرشحة “الجبهة الوطنية” الفرنسية للإسلام لم تخمد وتيرته بعد، رغم أنه لطالما كان من بين الأسباب التي خصمت من الرصيد الانتخابي للحزب في الاستحقاقات الكبرى. وتستند المرشحة اليمينية في ما يتعلق بالإسلام إلى نقطتين محوريتين؛ حيث تعتبر لوبان المعروفة بتبنيها لمواقف منادية بالانعزالية السياسية والقومية الاقتصادية أن المسلمين يشكّلون خطرا على الهوية الفرنسية تماما كالمهاجرين. وتعهدت في حال وصولها إلى قصر الإليزيه، بالحد من دخول اللاجئين إلى بلادها بمعدل 10 آلاف إلى 20 ألفا سنويا. ومع حصول المرشحة على المركز الثاني بالجولة الأولى للرئاسية، تدعمت ثقتها في حظوظها، كما لم تغفل عن تمرير رسائلها المعادية للمسلمين، وإن كان هذه المرة من خلال صورتها على “الأفيش” الترويجي لحملتها الانتخابية للدور الثاني للرئاسية.نجاح أحد المرشحين في السباق الانتخابي سيحدد مستقبل الجالية المسلمة والمهاجرين عموما ويقول أحد أعضاء فريق لوبان في حديث نقله الموقع الإخباري “7/ 7”، إن “صورة المرشحة التي ظهرت في الأفيش الترويجي للدور الثاني تعكس موقفا ورسالة ذوي صلة بالإسلام وباللباس الإسلامي خصوصا”. ويرى مراقبون أن هذه الصورة أثلجت صدور أنصار المرشحة الرئاسية ممن يفضلون في الغالب التلويح بلحم الخنزير في المحلات التجارية الكبرى لإخافة المسلمين، معتبرين أن لوبان عدّلت من حدة استهدافها للمسلمين في هذه الصورة لأنه كان يمكن توقّع الأسوأ. وبدأت لوبان بتعديل الصورة النمطية لحزبها، وبإضفاء تغييرات شكلية على سياسته المعادية للإسلام وللمهاجرين، إدراكا منها لحالة القلق التي يثيرها حزبها المحافظ في نفوس عدد كبير من الفرنسيين. ويؤكد جان مسيحة أحد أبرز مستشاري المرشحة النهج التعديلي الذي تتوخاه الأخيرة، من خلال تطرقها في لقاءاتها، وبشكل دائم، خلافا للسابق، إلى مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة، الجنرال شارل ديغول. غير أن هذا التعديل التكتيكي الذي تتبناه لوبان سعيا وراء استقطاب ناخبي اليمين ووسط اليمين لم يفلح، وفق مراقبين، في الحدّ من عدائها لمسلمي البلاد، وهو ما دفع من بين أسباب أخرى باتحاد المنظمات الإسلامية لمسلمي فرنسا إلى الاصطفاف وراء ماكرون في الجولة الثانية للاقتراع. وردّا على دعوة المنظمة الإسلامية إلى التصويت لمرشح حركة “إلى الأمام”، قال مسيحة في تصريحات إعلامية إن “اتحاد المنظمات الإسلامية يضم جمعية الإخوان المسلمين المصنفة إرهابية في عدة دول، ومن هنا تود لوبان إلغاء جمعية الإخوان المسلمين”. وقدّر فينسينت غيسر الأستاذ الجامعي بـ “معهد الدراسات السياسية في إكس أون بروفانس” بفرنسا، أن “المسلمين يشكّلون في بلاده رصيدا انتخابيا بـ 2 مليون شخص، أي ما يعادل 5 بالمئة من مجموع الناخبين”. وبحسب مركز “بيو للأبحاث” الأميركي، يقدر مسلمو فرنسا بنحو 5 ملايين شخص، أي ما يعادل نحو 7.5 بالمئة من إجمالي سكان البلاد المقدر عددهم بـ 66 مليونا و991 ألف نسمة.
مشاركة :