اجتمع في برلين خلال شباط (فبراير) وزراء الخارجية للدول العشرين الأساسية في العالم. وكان هدف الاجتماع، الذي امتد ليومين، البحث في كيفية تعزيز دور المؤسسات الحكومية وتوظيف قدرات البلدان الأفريقية للتعامل مع الفقر في هذه البلدان. معلوم أن البلدان الصناعية، في أوروبا في شكل خاص، تهدف إلى الارتقاء بالأوضاع الاقتصادية وتحسين الأحوال المعيشية في بلدان أفريقيا من أجل الحد من موجات الهجرة من هذه البلدان إلى الشمال. وعانت البلدان الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا وبلجيكا والدول الاسكندينافية من هجرات مئات الآلاف خلال السنوات الأخيرة وازدادت أعداد المهاجرين بعد تدهور الأوضاع في تلك البلدان الأفريقية. وبلغ عدد المهاجرين الأفارقة عام 2016 ما يقارب 181 ألف شخص، كما أن أربعة آلاف و500 من المهاجرين فقدوا حياتهم غرقاً في مياه البحر المتوسط خلال العام الماضي. هل يمكن وزراء الخارجية الذين اجتمعوا في برلين أن يضعوا الخطط الملائمة لدعم الاقتصادات الأفريقية وانتشال تلك الاقتصادات من التدهور المستمر بعدما انتشرت في أرجاء القارة الحروب الأهلية والصراعات الإثنية وتفشت الأمراض المزمنة والبيئية وتزايدت أعداد السكان؟ لا شك في أن هناك إمكانات وقدرات كامنة في البلدان الإفريقية، كما أن عدداً من البلدان تمكنت من تطوير نماذجها، ومن هذه البلدان السنغال وغانا في غرب أفريقيا وكذلك تنزانيا في الشرق. بيد أن العديد من بلدان القارة يعاني غياب الحكم الرشيد. لكن هل الفقر مقتصر على أفريقيا؟ هناك في العديد من البلدان في العالم الثالث، ومنها بلدان منتجة للنفط، مثل فنزويلا، تعاني فيها فئات شعبية من آفات الفقر وتواضع الأداء الاقتصادي وانتشار البطالة. ويشير أحدث تقرير للبنك الدولي، الصادر في تشرين الأول (أكتوبر) 2016، إلى أن 10.7 في المئة من سكان العالم يعيش على أقل من 1.90 دولار يومياً. وهناك تحسن ملحوظ إذ كانت النسبة 12.4 عام 2012، كما أن النسبة الراهنة تقل بكثير عما كانت عليه عام 1990 عندما بلغت 35 في المئة من سكان العالم. بيد أن عدد البشر الذين يعانون الفقر يظل مخيفاً إذ يبلغ 767 مليون شخص. والتحسن في الأوضاع المعيشية في أرجاء العالم لم يكن متوازناً إذ تحسنت أوضاع الفقراء في بلدان آسيا، خصوصاً في الصين وعدد آخر من بلدان شرق آسيا، وكذلك الهند إلى حد ما. ويذكر التقرير أن نصف الفقراء المدقعين أو ما يقارب 389 مليون شخص يعيشون في أفريقيا. وتتفاوت أعداد الفقراء بين المدن والأرياف حيث تقطن غالبية الفقراء في المناطق الريفية، وهم عادة من متدني التحصيل التعليمي. كذلك أكثر من 50 في المئة من الفقراء هم من صغار السن البالغين أقل من 18 سنة. والمؤسف أن تحديد مستويات الفقر مسألة نسبية إذ يتضح أن ما يقارب من نصف سكان العالم، أو ما يزيد عن ثلاثة بلايين إنسان، يعيش على أقل من 2.5 دولار يومياً. وهناك بليون طفل بين هؤلاء يعانون الفقر وسوء التغذية والجوع. كيف تمكن مواجهة الفقر في ظل الأوضاع السياسية المعقدة والاقتصادات المأزومة والمتواضعة الأداء؟ غني عن البيان أن جهود الأمم المتحدة والدول العشرين الرئيسة في العالم مهمة وأساسية. كما أن المساعدات والمعونات والتمويلات التي تمكن البلدان الفقيرة من تحسين بيئة الأعمال وزيادة أعداد الوظائف المتاحة قد تمكن من مواجهة الفقر. لكن ما هو أهم من ذلك هو كيف توظف الإمكانات المالية المتاحة في شكل رشيد من دون أن تضيع من خلال قنوات الفساد السياسي والإداري؟ ثم كيف يمكن الدول الغنية ومنظمات الأمم المتحدة أن تساعد البلدان المعنية على تطوير أنظمتها التعليمية والبرامج التدريبية لتمكين المواطنين من تعزيز القدرات المهنية التي تعزز مساهمتهم في العملية الاقتصادية في بلدانهم؟ وهناك أهمية لإصلاح الأوضاع الاقتصادية في هذه البلدان بما يعزز جاذبيتها للاستثمار وتأسيس الأعمال في مختلف القطاعات الحيوية. والطروح الهادفة للحد من الهجرة من الجنوب إلى الشمال عن طريق تطوير الأوضاع الاقتصادية في البلدان الفقيرة، مثل البلدان الأفريقية، يتطلب السيطرة على الأوضاع الأمنية وبناء مؤسسات سياسية فاعلة والحد من مستويات الفساد السياسي والإداري. وتؤكد تقارير المؤسسات الدولية المعنية بأن جزءاً مهماً من مداخيل البلدان الفقيرة، وكذلك من المساعدات والتمويلات، يُصرف هدراً على مشاريع ليست ذات أهمية أو جدوى لاقتصادات البلدان الفقيرة، وقد تجير لصالح المتنفذين فيها. ويبدو أن إصلاح الحياة الاقتصادية وانتشال الملايين من الفقر والمرض يتطلب مواجهة استحقاقات الحكم الرشيد والبناء الاقتصادي الكفوء. كاتب متخصص بالشؤون الاقتصادية
مشاركة :