في جلستها الـ55 بتاريخ 7 كانون الأول (ديسمبر) 2016، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 2 أيار (مايو) يوماً عالمياً لسمك التونة، ودعت الدولَ الأعضاء والمؤسسات الدولية والإقليمية والمجتمع المدني للاحتفال به. وتعمل آلاف سفن صيد التونة في جميع المحيطات فيما تعتمد دول كثيرة على موارد التونة في مجالات التغذية. يذكر يوم التونة بمأساة جميع المدن والقرى التي حاصرها وما يزال جيش النظام السوري وميليشيات «حزب الله» اللبنانية مانعين وصول المواد الغذائية إليها، حيث لقي الكثيرون حتفهم جوعاً في جريمة حرب لا حاجة الى بذل جهد كبير لتوثيقها. في هذا اليوم أتذكّر تكرار فصول فضيحة سمك التونة في منتصف آذار (مارس) من عامي 2016 و2017 في مضايا والزبداني، 45 كلم شمال غربي دمشق. فبتاريخ 17 آذار (مارس) 2016، سلمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري 7800 سلة غذائية لمضايا. كان من المفترض أن تحتوي كل سلة على خمس علب تونة، وفق ما كان مكتوباً على كل سلة. ومع ذلك، فادعى سكان محليون أن أكثر من 3000 سلة كان فيها علبة تونة واحدة، أي أن المفقود كان ما مجموعه حوالى 19000 علبة تونة. وتكررت حادثة التونة في 19 آذار 2017. ما إن نشرت الخبر على «تويتر» حتى تواصل معي مسؤول في الصليب الأحمر، وأرسل وفداً إلى مضايا. ثم كتب لي بعد عودة الوفد في اليوم نفسه مؤكداً صحّة الخبر. لكنه قال إن عدد العلب المفقودة لم يكن دقيقاً وأنه لم يتجاوز 4000. وأضاف إنهم سيعوّضون الأهالي وأن «تحقيقاً فُتِح في الأمر لمعرفة ما إذا كان سبب النقص إهمال موظف أو سرقة». تكررت الحادثة في آذار الماضي وتواصلت مع الصليب الأحمر ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) وبرنامج الأغذية العالمي (WFP). وقيل لي أنهم «يدركون حدوث بعض أوجه عدم الاتساق في إيصال الإمدادات الغذائية إلى مضايا والزبداني خلال مهمة القافلة المشتركة بين تلك الوكالات في 14 آذار، وأن بعض اللوازم الطبية تمت إزالتها» من دون تحديد الجهة المسؤولة. وتابعت المسؤولة في برنامج الأغذية العالمي: «إنهم على اتصال باللجان المحلية في المدينتين لإجراء مزيد من التحقيقات، وسيتخذون كل التدابير اللازمة لتصحيح الخطأ». وحاصر جيش النظام و «حزب الله» مضايا منذ تموز (يوليو) 2015 حتى خروج مقاتلي المعارضة وكثير من المدنيين وعائلاتهم إلى إدلب في الشمال السوري في 23 نيسان (أبريل) 2017. وفي ظل فقدان المواد الغذائية أثناء الحصار، ووفقاً لمستشفى مضايا الميداني، فإن حوالى 2050 شخصاً عانوا عام 2016 من الكواشيوركور (Kwashiorkor) وهو مرض ينجم عن سوء التغذية وخصوصاً النقص الحاد في البروتين الكامل، وذلك هو سبب تركيز الصليب الأحمر على توفير علب التونة الغنية به. الواقع أن نظام الأسد و «حزب الله» لم يستخدما فقط التجويع عقاباً جماعياً ضد المدنيين كما ومنعا وصول المساعدات الأساسية لهم، بل إنهم كذلك صادروا ما كان يُفترض أن يصل لطفل جائع أو شيخ مريض. وظهرت مساعدات من منظمات دولية كالأمم المتحدة في مقار وحواجز جيش الأسد والميليشيات الرديفة لها وفق تسجيلات مصورة نشرها صحافيون وناشطون أثناء تقدم قوات المعارضة على جبهات دمشق وحماة في آذار الماضي. من المفارقات أيضاً أن نسمع مسؤولين دوليين يناشدون النظام ليتوقف عن السرقة. وفي رسالة مقتضبة لها في مجلس الأمن الدولي حول الوضع الإنساني في سورية، قالت نيكي هايلي، الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في 27 نيسان 2017، إن «المدنيين يُبقَوْنَ سجناء حتى الموت أو الركوع للنظام» كما أن «جنود النظام يديرون سوقاً سوداء حيث مواد الإغاثة الطبية التي يفترض أن تصل إلى الناس المحتاجين مجاناً تُباع بأسعار مضخمة». وأضافت أن «النظام يختبئ خلف الإجراءات البيروقراطية ويمنع إعطاء الموافقات لإدخال المساعدات الإنسانية» وأن «هذا كله يجري من دون ردع أو حتى اعتراض من قبل روسيا». وخلال مؤتمر صحافي في واشنطن مع نظيره الألماني، قال وزير الخارجية السابق جون كيري في 29 شباط (فبراير) 2016: «أملنا أن يمنع النظام أناسه، وقواته ومسؤوليه الذين يعترضون الطريق أو يديرون هذه الشحنات، من أن يدسّوا أيديهم داخل الشحنات ويأخذوا الأدوية أو المواد التي يفضلونها هكذا ببساطة ليحتفظوا بها لأنفسهم». * ناشط في مجال الإغاثة
مشاركة :