لفتت رواية الروائي البرتغالي الشاب أفونسو كروش (هيا نشتر شاعرًا), الصادرة مؤخراً عن دار (مسكيلياني) والتي ترجمها عن البرتغالية المترجم المصري عبدالجليل العربي, انتباه الكثير من القراء وحازت على إعجابهم, بالرغم من صغر حجمها, ذلك أنها تتناول موضوعاً حيوياً ومهماً في الساحة الثقافية المعاصرة وهو أهمية الشعر والجمال في عالم مادي. تحدث كروش في هذا الحوار الحصري لصحيفة الرياض والأول له مع صحيفة عربية, عن هذه الرواية, وعدد من الأفكار والآراء التي وردت فيها.. *هذا الحوار كما أعرف, هو أول حوار لك مع صحيفة عربية, ما الذي تود قوله لقرائك العرب؟ -مشاركة الأعمال عمل مهم جداً, على الأقل بالنسبة لبعض الكتاب, وأنا واحد منهم. كون عملي قد ترجم إلى العربية فإن ذلك امتياز قد حظي به, ومما يسعدني أن أكون مقروءا في العديد من البلدان وأن أصل إلى المزيد من القراء. *كيف خطرت لك فكرة هذه الرواية؟ -شراء وبيع البشر حدث مطرد حين ننظر إلى تاريخنا, من العبودية إلى الفساد, ومن البغاء إلى المحسوبيات, دائما ثمة طرق لتحويل البشر إلى سلع تجارية. لذا لا يبدو شراء شاعر في الواقع غريبا كما قد يتبادر إلى الذهن. *هل تعتقد أن رواية بهذا الحجم قد عبرت بشكل كاف عن الفكرة؟قررت أن تكون رواية قصيرة, لأنها حكاية ذات فكرة مفاهيمية قوية. اعتقدت أنها ستنجح بكونها مباشرة وموجزة, وتعبر عن الاستعارة بشكل واضح. حين كنت أعد الرواية, واجهتني معضلة الحبكة وأن الكتابة قد تتجاوز الفكرة. *كيف تنظر إلى حاضر ومستقبل الشعر في عالم مادي؟ الديستوبيا.. رئيس وزراء سيئ فقط -إننا بحاجة, ليس فقط إلى الشعر وإنما إلى الثقافة. نحن بحاجة إلى أهداف لأننا لم نولد بمخالب وفراء, ونحتاج إلى الملابس والأدوات. نحتاج إلى الإبداع والثقافة لنحافظ عليهما, وبالطبع لأننا بحاجة أيضاً إلى الجمال في حياتنا. فكما يقول سعدي الشيرازي لو كنت أملك رغيف خبز ابتعت بأحدهما وردة. *ماذا لو دخل الشعر السوق وأصبح سلعة؟ من يكتب لأجل المال.. مستخدمبعض الأدب هو سلعة بالفعل, ودائماً ما كان كذلك. تكمن المشكلة الرئيسية في الأولويات, يكتب الكاتب عادة من أجل الفن ذاته وليس لكسب المال, وقد يكون ذلك نتيجة لكنه ليس هدفاً. ليس ثمة خطأ في هذا طالما أنك تعرف أولوياتك. إذا كنت تكتب من أجل المال, وليس الشغف, فإنك حينها لست بكاتب وإنما مستخدم. لأن هدفك هو المال. أما إذا كنت تكتب من أجل الأدب, فإنك كاتب حينها, لأن هذا هو هدفك. وبإمكانك أن تكون غنياً بسبب ذلك. *لماذا استخدمت الأرقام كأسماء لشخصيات روايتك؟للتأكيد على حقيقة أننا نعيش في مجتمع يصبح فيه الناس أرقاماً, أكثر من كونهم أفراداً. *لماذا استخدمت مقاييس دقيقة لقياس المسافات وعدد الخطوات وكمية الدموع ؟لأن كل جانب من جوانب حياتنا خاضع للحساب, وبالتالي يمكن ترجمته إلى أرقام, يمكنك أن تلاحظ حدوث ذلك حتى في الفن, فعلى سبيل المثال, لا يتم تقييم بعض الكتب أو الأفلام وفقاً لجودتها, وإنما وفقاً لمبيعاتها, بيع من هذا الكتاب ثلاثة ملايين نسخة, وحطم ذاك الفيلم الرقم القياسي في المبيعات, وهلم جرا. *كيف ترى خاتمة الرواية, ألم تكن مباشرة جدا؟ ما هي مبررات ذلك؟إنها أشبه بمناشدة للقارئ بعدم التخلي عن الشعر, والمحافظة عليه في حياته, فبغض النظر عن ما هي مهنتك فإنك بحاجة دائمة في حياتك إلى العاطفة والجمال والإبداع. ستكون ميكانيكي سيارات ماهراً أو طبيباً أو مهندساً إذا كنت مبدعاً في عملك. لكنك ستكون ابناً أو زوجاً أو أباً أفضل إذا ما حافظت على الجمال في حياتك. *هل يمكن أن نصنف روايتك من ضمن روايات الديستوبيا على الرغم من عدم وجود كارثة؟ -أجل, إنه مجتمع مشوه, ليس بعيداً عن مجتمعنا, بكامل مواصفات رواية الديستوبيا. إنك لست بحاجة إلى كارثة ليكون لديك مجتمعا فظيعاً, تحتاج فقط إلى رئيس وزراء سيئ أو إلى سوق مضطهد أو إلى انحلال قيمة بسيطة. *لماذا وقع اختيارك على الشاعر فقط دون غيره من الفنانين, لماذا لم يقع اختيارك على موسيقي مثلاً؟يمكن أن يكون في الواقع أي نوع من الفنانين, حتى أن شخصيات الرواية ناقشوا ما سيقومون بشرائه, واعتقدوا في البداية أنهم سيشرون رساما, لكنهم قرروا أن يشتروا شاعراً. *استخدمت لغة مجازية في الرواية إلا أنك استخدمت لغة مباشرة في الخاتمة, لماذا؟لأنني شعرت أنني بحاجة قليلاً إلى أكثر من مجرد الاستعارة, في مجتمع الأرقام, ربما عليك أن تقاوم بالأرقام نفسها, وهذا ما فعلت. شددت في الجزء الأخير على أهمية الثقافة ولكن أيضا على كيف أن الثقافة مربحة بشكل مثير للدهشة. *أنت من جيل الشباب, كيف تنظر إلى الرواية البرتغالية الشابة في الوقت الحاضر؟تمر البرتغال بفترة جيدة جداً, ليس فيما يتعلق بالفنون فحسب, وإنما في الرياضة أيضاً, وفي البحث العلمي, وما إلى ذلك. ما يزال أمامنا الكثير من المسافات التي يجب أن نقطعها, ولكننا أفضل بكثير مما كنا عليه قبل بضعة عقود. *أنت موسيقي وعضو في فرقة موسيقية, كيف تصنف نفسك كروائي أولا أم كموسيقي؟إنني مؤلف, أؤلف أحيانا أغاني وأحياناً رسومات وأحياناً روايات. *ألا يبدو عالمك متفائلاً وطوباويًا في نظرته إلى الشعر؟ إنني متفائل, بغض النظر عما أكتب. لدي إيمان عميق في الشعر وما يمكننا القيام به في حياتنا. ولكن - كما قلت من قبل- على الرغم من أنني متفائل فإنني لست ساذجاً, وأعرف أن لدينا الكثير للقيام به, والكثير لتطوير أنفسنا وما حولنا في المجتمع. زرت مؤخرا معرض تونس للكتاب. كيف ترى الثقافة العربية والرواية العربية بشكل خاص؟ إنني معجب بالثقافة العربية. الكثير من شخصيات رواياتي عربية, وقد استوحيت بعضا من الحبكات التي استخدمتها من الحكايات الشرقية العربية والفارسية. إلا أنني استمتع بأشعارهم أكثر. أفونسو كروش
مشاركة :