وزير دولة يمني رد على قرار إقالته بأنه رجل مقاومة قبل الوزارة وأثناءها وبعدها وأن المناصب قبل بها بالتكليف وليس للتشريف.العرب صالح البيضاني [نُشر في 2017/05/07، العدد: 10625، ص(7)]علمتنا عدن أننا نستطيع صنع المستحيل وصنعناه صنعاء - حتى العام 2015 لم يعرف اليمنيون اسم هاني بن بريك إلا من خلال خطبه الشهيرة كشيخ آثار الكثير من الجدل في أوساط الجماعات السلفية اليمنية التي تفرّقت شيعا وأحزابا عقب وفاة مؤسس التيار السلفي مقبل بن هادي الوادعي الذي كان بن بريك أحد تلاميذه. وقبل أيام قليلة أكد بن بريك وزير الدولة اليمني المقال، وقوفه مع محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي الذي أعلن رفضه لقرار إقالته من الرئيس عبدربه منصور هادي، بحسب ما ورد في ما سمّي “إعلان عدن التاريخي” خلال التظاهرة الحاشدة التي نظمها الحراك الجنوبي بالعاصمة اليمنية المؤقتة عدن الخميس الماضي. وقال بن بريك خلال حضوره فعاليات التظاهرة الحاشدة في ساحة العروض بمديرية خورمكسر “من يريد يحقق معنا نحن جاهزون”، في إشارة إلى قرار الرئيس عبدربه منصور بإقالته وإحالته إلى التحقيق. مضيفاً قوله “نحن خلف قائدنا اللواء عيدروس الزبيدي الذي ولّيناه وحمّلناه الأمانة، ولقد أعلنا للعالم أجمع أننا على قلب رجل واحد. فالمناصب كلفنا بها أنا وأخي القائد عيدروس، ولم نأخذها ولم نقبل بها للتشريف”. وكان الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قد أصدر قراراً يقضي بإقالة الزبيدي من مهامه كمحافظ للمدينة التي تتخذها الحكومة مقراً لها، وتعيين عبدالعزيز المفلحي محافظاً جديداً، بينما أعفى بن بريك من منصبه وأحاله للتحقيق. وقد تعرض بن بريك طوال مسيرته كشيخ سلفي لعواصف متتالية من الانتقادات التي وجهت له من شيوخ آخرين، ووصلت لدرجة إصدار بيان جماعي في 25 نوفمبر 2014 ضم أسماء مهمة في التيار السلفي حذرت فيه مما اعتبرته “فتنة هاني بن بريك” ودعت إلى “الابتعاد عنه وهجره وترك مجالسه ومحاضراته”. اختلفت الآراء حينها حول سبب الهجوم المستمر الذي يتعرض له بن بريك. فبينما قال البعض إن الأمر لا يعدو كونه حلقة من مسلسل صراع طويل داخل البيت السلفي الذي تداعت وحدته عقب وفاة الوادعي، عزا آخرون السبب لشخصية بن بريك القائمة على التمرد ورفض الكثير من المسلمات الفكرية التي يرى أنها من الأمور التي يمكن مناقشتها وتطويرها. مقاوم شرس عبر العديد من شيوخ الحركة السلفية في اليمن عن مآخذهم على بن بريك في كتابات ورسائل كثيرة من أشهرها “توثيق المآخذ على هاني بن بريك” التي أورد فيها كاتبها الانتقادات الموجهة لبن بريك والتي كانت سببا في إصدار بيان التحذير منه، و”البراهين الجلية على أخطاء هاني بن بريك العقدية والمنهجية” والتي تضمّنت ما قال كاتبها أنها “جملة من الأخطاء العقدية والمنهجية والسلوكية التي وقعَ فيها هاني بن بريك العدني وانتشرت واشتهرت وذاعت” ومن بينها ما ورد على لسان بن بريك حين قال “علمتنا عدن بكل أهلها في الحرب أننا نستطيع أن نصنع المستحيل وصنعناه، وأمامنا الآن أن نثبت للعالم أن عدن غير”.الدور المهم والمحوري الذي لعبه بن بريك في تثبيت أمن عدن هو ما دفع الرئيس عبدربه منصور هادي إلى إصدار قرار في مطلع يناير 2016 بتعيينه وزيرا للدولة عضوا في مجلس الوزراء، إلى جانب المهام الأخرى التي يتولاها مثل إشرافه على قوات الحزام الأمني المدعومة من التحالف العربي، وتوليه ملف معالجة جرحى المقاومة في الوقت الذي عقد بعض مشايخ السلفية في اليمن ممّن عرفوا بانتقادهم لبن بريك اتفاقيات مع الحوثيين ضمنت لهم الاستمرار في إدارة المراكز التي كانوا يديرونها مقابل التزام الحياد، بدا أن بن بريك يتجه حثيثا للولوج في مرحلة أخرى من مراحل حياته، حيث كان من أوائل من خرجوا لمواجهة قوات الحوثي وصالح التي اجتاحت عدن في مارس 2015، وبرز اسمه بشكل كبير في هذه الفترة العصيبة التي تصدّر فيها المقاومة الشعبية وتم اختياره كنائب لرئيس مجلس قيادة المقاومة الشعبية في عدن مقاوما ومقاتلا شرساً إلى جانب العديد من طلاّبه وزملائه السلفيين الذي لعبوا دوراً مهما في تحرير عدن من قبضة الانقلابيين والاستمرار بعد ذلك في ملاحقة فلولهم في محافظات جنوب اليمن التي لم يمض وقت طويل قبل أن يتم إعلانها محافظات محررة. ومع الانتهاء من تحرير عدن والمحافظات المحيطة بها كان بن بريك على موعد مع تحدّ من نوع آخر أكثر صعوبة وأكثر جسامة وهو الانخراط بشكل واسع في محاربة المتطرفين من عناصر القاعدة وداعش الذين حاولوا استغلال حالة الفراغ الأمني والسياسي في المدن المحررة. سيل من العداوات لعب بن بريك آنذاك دورا محوريا في دمج المقاومة بالجيش والأمن ليتولى فريق منهم تأمين عدن ويواصل الفريق الآخر مساندة التحالف العربي في حربه ضد الانقلابيين. اشتهر بن بريك خلال مراحل حياته بالجرأة في طرح أفكاره والإعلان عن تحولاته الفكرية والسياسية في منأى عن ردود الفعل التي يمكن أن تنعكس عليه. وهو سلوك خلق له الكثير من الأعداء وجعله عرضة للانتقاد والتشهير في أوقات كثيرة. وبدأ ذلك من داخل أروقة التيار السلفي في اليمن الذي لم يرقه كثيرا ما اعتبروه محاولة لتمرد بن بريك على أسس ثابتة لا تقبل النقاش ولا تخضع للاجتهاد الفكري.هاني بن بريك يتميز بخاصية المواجهة التي نقلها إلى طور آخر مع امتهانه للعمل السياسي بعد بوابة المقاومة التي تركته أمام تحدّ كبير فيما يتعلق بحماية مدينة عدن من المد المتطرف واحتفظ الرجل بخاصية المواجهة التي نقلها إلى طور آخر مع امتهانه للعمل السياسي الذي ولج إليه من بوابة المقاومة التي تركته أمام تحد كبير فيما يتعلق بحماية مدينة عدن من المد المتطرف بعد أن ساهم في تحريرها من الميليشيا الحوثية. وهو ما أهله لتولي الإشراف على أهم جهاز أمني أوكلت إليه مهمة تحصين المدينة ومنع سقوطها في أيدي الجماعات المسلحة التي باشرت في نشر الرعب في أحياء عدن ونفذت العشرات من عمليات التصفية والعمليات الانتحارية التي طالت قادة في المقاومة ورجال السلطة المحلية وبلغت ذروتها مع اغتيال محافظ محافظة عدن جعفر محمد سعد من خلال تفجير سيارة مفخخة في 9 أكتوبر 2015. ونظرا للدور المهم والمحوري الذي لعبه في تثبيت أمن عدن صدر قرار رئاسي في مطلع يناير 2016 بتعيينه وزيراً للدولة عضوا في مجلس الوزراء إلى جانب المهام الأخرى التي يتولاها مثل إشرافه على قوات الحزام الأمني المدعومة من التحالف العربي، وتوليه ملف معالجة جرحى المقاومة. العودة لأحضان المقاومة علاقة بن بريك بما يسمّى “الحزام الأمني” الذي تولى حماية مداخل عدن وأوكلت إليه مهمة محاربة القاعدة وداعش في عدن تسببت في تعرضه لموجة أخرى من الانتقادات والهجوم الإعلامي من قبل بعض الأطراف السياسية التي اتهمه بممارسة أعمال عنصرية ضد أبناء المحافظات الشمالية المتواجدين في المدينة والقيام بترحيلهم إلى شمال اليمن. وردّ هو على تلك الحملة في أحد اللقاءات التلفزيونية بالقول “إن المقاومة في عدن ملتزمة بتوجيهات الرئيس عبدربه منصور هادي، في ما يخص ترحيل أبناء المحافظات الشمالية وتعمل على إيجاد الحلول حال وجود من لا يملك هوية في عدن وتسهيل إصدار بطائق الهوية لكل من لا يملك البطاقة الشخصية وإحالة كل من يثبت تورطه في أعمال مخلة بالأمن إلى النيابة في عدن”. وأكد أنّ لا فرق بين أبناء الوطن فالمجرم هو المجرم أيّا كانت منطقته، مشيرا إلى “أن هناك فصائل في الحراك الجنوبي تتبع الرئيس السابق علي عبدالله صالح وبعضها له علاقات بإيران، وهي تمارس أعمال الترحيل بهدف تشويه صورة المقاومة الجنوبية والشرفاء من أبناء الجنوب”. وعلى الرغم من توقف عمليات ترحيل بعض أبناء المحافظات الشمالية من عدن، فإن الحملة الصحافية على بن بريك لم تتوقف ما أكد وقوف أجندات سياسية وحزبية خلف الحملة على الرجل الذي عرف بصراحته المطلقة ومناهضته للجماعات المتطرفة. وفي ظل الحملات المستمر التي حاولت النيل منه تجاوز تأثير بن بريك مدينة عدن، حيث ساهم بأدوار مختلفة في دعم جهود التحالف العربي لتحرير باب المندب ومدينة المخا وهو ما تم بالفعل. إلى جانب المشاركة في التحشيد لمعركة تحرير ميناء الحديدة في إطار المرحلة الثالثة من عملية “الرمح الذهبي”.الآراء تختلف حول سبب الهجوم المستمر الذي يتعرض له بن بريك. فبينما يقول البعض إن الأمر لا يعدو كونه حلقة من مسلسل صراع طويل داخل البيت السلفي الذي تداعت وحدته عقب وفاة الشيخ الوادعي، يعزو آخرون السبب لشخصية بن بريك القائمة على التمرد ورفض الكثير من المسلمات الفكرية التي يرى أنها من الأمور التي يمكن مناقشتها وتطويرها وفي الوقت الذي كان ينمو فيه دور وسمعة بن بريك كرجل مؤثر وقويّ في الجنوب عموما ومدينة عدن على وجه التحديد، كانت هناك ضريبة باهظة توجّب عليه أن يدفعها من خلال تصاعد حملات التشويه الإعلامي التي استهدفته، وساهم في توسيع مجالها رفضه لتمكين حزب الإصلاح أو بعض القوى التقليدية التي ناصبها العداء من العودة إلى عدن من بوابات مختلفة بحسب ما يقول المدافعون عنه. ولم تتوقّف حالة التوتر عند هذا الحد حيث امتدت إلى أطراف داخل الحكومة الشرعية استاءت كثيرا من نفوذ بن بريك المتعاظم في عدن وشخصيته العنيدة، وهو ما انتهى إلى إصدار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قرارا في السابع والعشرين من أبريل 2017 قضى بإقالة هاني بن بريك من منصبه كوزير للدولة عضو مجلس الوزراء وإحالته للتحقيق في سابقة لم تعرف لها السياسة اليمنية مثيلا. الأمر الذي عكس حجم الخلاف بينه وبين قوى وقيادات سياسية مؤثرة، وفيما عزت بعض وسائل الإعلام هذا القرار الذي وصف بالقاسي وأنه جاء “بعد ساعات من منع قوات الحزام الأمني لقيادي عسكري محسوب على عبدربه منصور هادي من دخول مطار عدن”، قالت مصادر إعلامية مقرّبة من الحراك الجنوبي إن القرار مبيّت وأنه اتخذ منذ وقت مبكّر تحت ضغط من أحد الأحزاب السياسية الدينية. وفي أول رد له على قرار إقالته اكتفى بن بريك بحذف صفته الرسمية كوزير دولة من على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” وأرسل تغريدة قال فيها “أنا رجل مقاومة قبل الوزارة وأثناءها وبعدها وإخوتي في الجبهات وفي المدن على نقاط التفتيش والمنشآت رفقة التحالف، لن أرجع عنهم إلا بنصر أو شهادة”.
مشاركة :