لمن تقرع الأجراس؟!!

  • 5/18/2014
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أذكر أني كنت في حدود الثانية عشرة من عمري حين قرأت رواية أرنست هيمنجواي (لمن تقرع الأجراس)، فكان أول شيء لفت نظري لها هو العنوان، أتذكر كيف كنت غارقة في المفاجأة والتعجب، كيف للجرس أن يقرع؟ فما اعتدت على قراءته عبارات مثل (قرع الأبواب) أو (قرع الطبول)، أما (قرع الأجراس) فقد كان غريبا علي!! في تلك السن الصغيرة، لم يخطر ببالي احتمال وقوع المترجم في خطأ لغوي، وأنه ضل في ترجمته فاختار تعبيرا غير مناسب، وإنما على العكس من ذلك تقبلت ما قرأت على أنه إضافة جديدة لي، فأودعته خزانة الذاكرة لاستدعيه وقت الحاجة. ما الفرق بين قرع الأجراس وقرع الطبول؟ في زمننا هذا يكاد يكون قرع الأجراس يمثل النسخة الجديدة لقرع لطبول في الزمن القديم، في القديم كان قرع الطبول بمثابة الإعلان عن اشتعال الحرب بين القبائل أو الإنذار بحدوث أمر جلل. كما كان أمرا عاما تمارسه كثير من الشعوب، وإن ارتبط في أذهان الناس أكثر ما ارتبط بالقبائل الأفريقية وقبائل الهنود الحمر في أمريكا. أما في عصرنا هذا، نحن نقرع الأجراس للتحذير من وقوع أمر خطير كاشتعال حريق، أو توقع حدوث كارثة طبيعية، أو احتباس الركاب داخل مصعد متعطل، أو لإعطاء مساحة لمرور سيارة الإسعاف أو الإطفاء، كما أننا نقرعها لأمور أقل شأنا كالتنبيه إلى حلول وقت الاستيقاظ، أو وجود ضيف عند باب المنزل، أو لاستدعاء من نحتاج مساعدته.. وغير ذلك. أي أن وظيفتي قرع الأجراس وقرع الطبول متشابهتان، إلا أن الطبول تفوقت على الأجراس في تمكنها من الخروج عن الانحصار في دائرة الإنذار الضيقة إلى رحاب أوسع، فتغلغلت داخل حياة الناس لتقوم بإشباع احتياجات أخرى لهم، حيث صارت الطبول تقرع لبث الحماسة في قلوب المقاتلين، كما نرى في رقصات الحروب كالعرضة وغيرها من رقصات القتال، أو كما تظهر حاليا في فرق الجيش الموسيقية. لكن الطبول ما لبثت أن تخلت عن دورها المهم في ساحات القتال لتأخذ مقعدها البارز في أماكن اللهو والطرب، فباتت الآن كثير من الفرق الموسيقية الصاخبة تعتمد عليها. من الواضح هنا أن الأجراس والطبول يجمع بينهما عامل مشترك واحد هو التواصل السمعي، فكلاهما يقوم بوظيفته عبر اختراق السمع، لكني لا أدري لِم استعيرت صفة الطبل لتطلق على أحد أغشية الأذن دون الجرس، فشاع بين الناس ترديد قول (طبلة الأذن) التي متى أصابها ثقب أدى إلى إعابة السمع!! هل لأن قرع الطبول متى كان صاخبا، وهو غالبا لا يكون إلا كذلك، قد ينتهي بمن هو قريب منها إلى إتلاف السمع!!

مشاركة :