حلم الشتاء 2307 دراما متقنة تغوص في العصر الجليديتبحث سينما الخيال العلمي عن أكثر الموضوعات تشويقا، وخاصة ما يتعلّق بشكل الحياة في المستقبل وما ستؤول إليه، ليتحول ذلك إلى إشكالية مركّبة ومعقّدة ليس من السهل الإحاطة بها، وقد تحوّل الكون برمّته إلى جحيم في أعقاب ما درجت أفلام الخيال العلمي على تسميته بالانهيار العظيم.العرب طاهر علوان [نُشر في 2017/05/08، العدد: 10626، ص(16)]حرب بقاء في عالم مخيف يقدّم فيلم “حلم الشتاء 2307” للمخرج جوي كورتز (إنتاج 2017) تنويعا على درجة عالية من الاختلاف والتميز عن سلسلة أفلام الخيال العلمي التي تناولت ثيمة الانهيار العظيم، فبالرغم من كثرة الأفلام التي تناولت هذه الثيمة، إلا أنّ هذا الفيلم يحمل كلّ عناصر التماسك والنجاح. فعلى صعيد المتغيرات المناخية والاحتباس الحراري، كنّا قد شاهدنا العديد من أفلام الخيال العلمي التي توغّلت في هذا النوع، وقدّمت قصصا شائقة للعصر الجليدي بعد الانهيار العظيم، نذكر من هذه الأفلام: “اليوم ما بعد الغد” (إنتاج 2004)، وفيلم “2012” (إنتاج 2009)، و”المستعمرة” (إنتاج 2013) و”في العاصفة” (إنتاج 2014)، فضلا عن سلسلة أفلام حملت عنوان “عصر الجليد” وتمتد من عام 2002، حيث ظهر جزؤها الأول، وصولا إلى الجزء الخامس الذي أُنتج العام الماضي. جميع هذه الأفلام تناولت ولو بنسب متفاوتة من النجاح ثيمة الانهيار العظيم، وما ينجرّ عنه من محاولات إعادة تشكيل حياة مدمّرة أو ما تبقّى منها، في سعي لرسم صورة ديستوبية للناجين الذين يقارعون الظروف والمتغيرات الجديدة بكل ما تعنيه من قسوة وشظف عيش وتحدّيات غير مسبوقة ولا متوقّعة. في المقابل، يأتي فيلم “حلم الشتاء 2307” ليحكي قصة انتقال الأرض إلى العصر الجليدي الكامل بعد ثلاثة قرون من جراء الاحتباس الحراري، ويتم اختيار ولاية أريزونا ميدانا لتلك الكارثة، أو ما صار يُعرَف بـ”اتّحاد أريزونا” وتحت الطبقات الضخمة من الجليد سيعيش من تبقى من البشر تحت إمرة الجنرال تراجان (الممثل براد بوتس). ولأنّ البشر لم يعودوا ذوي كفاية عدديّة ولا عضليّة لمواجهة الجحيم الجليدي المقيم، يُجرون تجاربهم المخبرية وينجحون في إنتاج جنس من الرجال المتحوّلين ذوي الطاقة الهائلة والقدرة الفائقة على التحمّل مع عدم القدرة على التناسل.الفيلم سادته لعبة اقتفاء الأثر وقطع الأنفاس حتى أدخلته في مسارات أفلام الرعب والمطاردة والتحري سيكوّن المتحولون جيلا جديدا من العبودية التي تدفع قسما منهم إلى إعلان التمرد والعصيان على البشر للمطالبة بالعِتق وحفظ كرامتهم، لكن ذلك التمرّد سيُقابَل بكل بطش من قبل الجنرال، فيكلف بيشوب (الممثل باول سيدهو) لقيادة فصيل للقضاء على التمرّد وجلب ما عُرف بالنموذج “آش 393”، وهو الذي يقود التمرد، لكن تنتهي المهمة بمقتل جميع الجنود البشرييّن ولا يبقى إلا بيشوب وحده. تتشعّب القصة الفيلمية إلى مسارات سرديّة عدّة، فمن حماس بيشوب للقضاء على المتمرّدين إلى حنينه الجارف إلى زوجته وحبيبته التي قيل له إن المتحوّلين قد قضوا عليها واختطفوا ابنته، فتمتزج مهمته تجاه المتحوّلين بمهمة عاطفية وهي الثأر لزوجته وتحرير ابنته. في وسط أجواء قاسية للغاية من التجمد الجليدي تم تصوير الأحداث والصراع سجالا بين البشريين والمتحوّلين، وسادت الفيلم لعبة اقتفاء الأثر وقطع الأنفاس حتى أدخلته في مسارات أفلام الرعب والمطاردة والتحرّي، وخلال ذلك برع ممثلون بارزون في أداء أدوارهم أولهم بيشوب ثم اشمائيل (الممثل تيموثي دي بريست) وأيل هاتا (الممثل كيلسي وتسون) وصولا إلى كيكس (آرييل هولمز) وآتكا (الممثلة أني هات)، كل هؤلاء كانوا طرفا في دفع بنية الصراع قدما نحو التأجيج والتصعيد، ولهذا برع المخرج جوي كورتز الذي هو نفسه كاتب السيناريو في بثّ حبكات ثانوية متقنة للغاية دفعت المشاهد إلى المضيّ في متابعة الأحداث. هنا لا بد من القول إن تلخيص جميع الأحداث في مساحة محدودة يصبح أمرا صعبا إلى حد كبير، لسبب بسيط، كونها شكلت مجتمعة أحداثا متشابكة وعميقة الغور في الذات البشرية في مقابل المتحوّلين جينيا الذين تم إنتاجهم ببراعة ملفتة للنظر. أضف إلى ذلك أن حالات تذكر بيشوب المتكررة لأسرته مع ما شملته من مشاهد “فلاش باك” لم تكن مسرفة ولا هي أثقلت الأحداث، بل كشفت عن أبعاد ملفتة للنظر في شخصية بيشوب لا سيما بعد أن اكتشف أنه قد تم تضليله من قبل الجنرال؛ إذ أن الجنرال نفسه هو قاتل زوجة بيشوب وليس المتحوّلون، لأن هذه الحالات غلّبت الجانب الإنساني على العبودية في التعامل مع المتحولين، ولهذا سينقلب الصراع من مقارعة بيشوب للمتحوّلين إلى مواجهة مع الجنرال. ولعلّ ما لفت النظر أيضا مشاهد المواجهات الحاسمة كتلك التي تقع بين المتحوّلين وبين جنود المهمة التي أوكلها إليهم الجنرال على معبر ضيق يربط بين ضفتين جليديتين وتحتهما واد سحيق، ثم اختفاء اشمائيل فعودته ثم ظهور أتكا مساندة بشكل مفاجئ لمهمة بيشوب، وخاتمة المطاف اعتراف زعيم التمرد والمتحوّلين بحقيقة تمرّدهم وأنهم سلميون، كل ذلك يجري على خلفية مهمة بيشوب الشاقة وهو يجرّ الجثّة “آش 393” عبر الجليد. “حلم الشتاء 2307” فيلم ناضج ومتميّز دراميا وسرديا، فضلا عن الحبكة المتقنة وتوظيف المكان المتنوع والتصوير البارع للطبيعة ومستويات وزوايا التصوير والمونتاج والخدع السينمائية وأداء الممثّلين بشكل متكامل ومتجانس أشاد به العديد من النقاد.
مشاركة :