"الصدع" دراما متقنة يختلط فيها الرعب بالخيال العلمي بقلم: طاهر علوان

  • 5/29/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الصدع دراما متقنة يختلط فيها الرعب بالخيال العلميلم يعد أمرا جديدا ولا مستغربا ذلك الأسلوب الذي يتّبعه عدد من المخرجين في مزج الخيال العلمي بالرعب، واحد من أسباب هذا الاندفاع نحو تغيير النوع الفيلمي أو تهجينه بنوعي الرعب والخيال العلمي، هو اجتذاب جمهور كلا النوعين، فضلا عن منح الأحداث ومسارات السرد والبناء الدرامي المزيد من الاتساع على مساحة الزمن الفيلمي بما يغري الجمهور على المتابعة.العرب طاهر علوان [نُشر في 2017/05/29، العدد: 10647، ص(16)]شخصيات تموت لتعود إلى الحياة من جديد يعتبر فيلم “الصدع” للمخرج الصربي الشاب ديجان زيجفيتش إضافة حقيقية في مجال الدراما السينمائية التي تمزج الخيال العلمي بالرعب، وقد أجاد زيجفيتش صنع بناء درامي محكم تتابعت فيه الأحداث على نحو مشوّق، وحقق من خلالها الهدفين في آن معا، وهو المضي بعيدا في الأحداث المتخيلة المرتبطة بالفضاء والعوالم الأخرى من جهة، والإغراق في الرعب والمفاجآت غير المتوقّعة من جهة أخرى. وفي أحداث الفيلم، هنالك قمر صناعي ذو أغراض عسكرية كان قد سقط في مكان ما في الأراضي الصربية، ويجري تكليف فريق مشترك صربي/أميركي من أجل إيجاد حطام القمر واسترجاع المعلومات السرية التي يحتويها. من الجانب الأميركي هنالك الممثل المعروف كيف فوريه الذي جسد شخصية العميل جون سميث، والممثلة السلوفينية كاتارينا كاس التي قامت بدور العميلة ليز، والممثل الأميركي مونتي موركهام في دور البروفيسور ديسارت، والممثل الصربي درغان ميكانوفيتش الذي قام بدور داركو، ومن خلال هذه الشخصيات الأربع يجري تتبع مجريات الأحداث وتصاعدها. منذ المشاهد الأولى تتضح شخصية العميل سميث الاستعلائية في تعامله مع الآخرين وخاصة مع ليز وداركو، أما البروفيسور ديسارت فكان في آخر مهمة له في حياته وهو لا يتوقف عن السعال المصحوب بالدم، لكن في المقابل تتضح شخصية ليز المحمّلة بالعطف والتعاطف مع الجميع، وهي فتاة من أصل صربي مما سهل مهمّتها في الحوار مع الآخرين. وتنحرف ثيمة الفيلم فجأة عن مسارها، حيث يعجز فريق العمل عن إيجاد القمر الصناعي المزعوم ويدخل أعضاء الفريق في دوّامة لا نهاية لها، أوّلها العثور على فتى صغير يرتدي بدلة بيضاء يتماهى وجهه وملامحه مع ابن ليز الذي تركته وهو يعاني من مرض السرطان، لكن الفتى سرعان ما يختفي في الظلام. تجري أحداث الفيلم في مشاهد ليلية وسط مبان مهجورة ويتضح أن المكان تسيطر عليه قوى خفية، فعندما يظهر أحد السكان وهو يطلق النار على الجميع ويقتل داركو برصاصة في القلب يسارع سميث في الرد وقتل ذلك القروي الكهل، وتقابل ليز ذلك برفض شديد وحزن على القروي، ثم ما تلبث أن تظهر امرأة تحمل فأسا وتكاد تقتل ليز، التي تسارع بدورها إلى قتلها، لكن المفارقة أن جميع الشخصيات التي يفترض أنها ماتت سوف تعود إلى الحياة في جو كابوسي لا نهاية له. ولعلّ التحول الدرامي الملفت للنظر هو عثور فريق العمل على رائد فضاء مسجّى، وهي مفاجأة غير متوقّعة، إذ يكتشف البروفيسور ديسارت أن ذلك الفضائي ليس إلاّ زميله في رحلة إلى القمر في عام 1976، لتتكشف حقائق وأسرار عن تلك الرحلة، حيث أن الضحية هو بالأساس رائد فضاء ابتلعته هالة بنفسجية في شكل ثقب فضائي. يجد سميث نفسه في وسط دوامة غريبة من القوى الماورائية التي تجعل جميع من حوله مجرّد أشرار وكائنات تتلبسها قوى خفية، ولهذا يُعمل فيها قتلا بالفأس، لأنه توصل إلى يقين أن قتل هؤلاء بالرصاص يعيدهم إلى الحياة، وهكذا نمضي في أجواء قاتمة من المفاجآت والقتل يتوّجها نهوض رائد الفضاء من رقدته، ليجري تطوير الفكرة إلى أن هذا الكائن الفضائي ذا الهالة البنفسجية بقدرته الخارقة ربما يكون هو المسيح المخلّص، كما سيظهر في تنبؤات انتشرت في العديد من الدول، وهو الذي أسبغ على باقي الشخصيات تلك القدرة الخرافية بأن يموتوا ثم يعودوا إلى الحياة. وبسبب كثرة المسارات السردية، أوغل المخرج في إيجاد المزيد من الأحداث الغرائبية التي تفتقر إلى الإقناع في بعض الأحيان، ومن ذلك علاقة ليز بابنها المريض بالسرطان في لقطات بداية الفيلم، ثم في نهايته ثم التماسها الشفاء من الفضائي ذي الهالة البنفسجية، لكن في المقابل أدّت ليز دورها ببراعة ملفتة للنظر، فهي ممثلة قادرة بتفوق على استبطان المواقف المختلفة والتعبير عنها، لا سيما وأنها أدت دورها في أجواء من الرعب بينما هي مطالبة بأن تعبر عن إنسانية عميقة ومؤثرة. ورغم الهنة التي رافقت بعض مسارات الأحداث في الفيلم، نجح المخرج وكاتب السيناريو في زج العديد من الحبكات الثانوية التي ساعدت في تصعيد الدراما، وجعلت المشاهد يتنقّل سريعا بين الأحداث المتنوعة، من ذلك مثلا خروج ليز إلى خارج المكان الذي يقيم فيه الفريق، يتكفل وحده بالدخول في دوّامة من الأحداث والمفاجآت التي توحي بأنها جزء من حلم كابوسي طويل مرّت به ليز هي وابنها صاحب الدراجة الهوائية والبدلة البيضاء الذي يمتلك هو الآخر قوة استثنائية. ويتمتع مخرج فيلم “الصدع” الصربي ديجان زيجفيتش بسمعة عالمية، وهو الذي أنجز حتى الآن ستة أفلام طويلة والعديد من الأفلام القصيرة، وحصد خلال رحلته السينمائية العديد من الجوائز العالمية التي فاقت المئة جائزة، وفيلمه الأخير تتويج لمسيرته السينمائية، بعد فيلمه ذائع الصيت “الرجل الرابع” الذي أنتجه قبل سبع سنوات وحصل على العديد من الجوائز أيضا.

مشاركة :