بيروت - يدق خبراء ناقوس الخطر من ارتفاع نسبة الطلاق في لبنان بسبب غياب ثقافة الحقوق والواجبات وظروف اقتصادية واجتماعية صعبة وانعدام لغة التواصل بين الزوجين الى جانب غزو مواقع التواصل الى البيوت وتسببها في فتور وجمود العلاقات. وان كانت نفس هذه الاسباب تتكرر في العديد من الدول العربية الا ان ما يعمق المشكلة في لبنان كثرة القوانين المتعلقة بالاحوال الشخصية والعائدة للطوائف المختلفة والتي تجعل الحصول على الطلاق في كثير من الاحيان خطوة شاقة وتتطلب صبرا طويلا. وفي لبنان طريق طويلة وشاقة تنتظر امرأة تطلب الطلاق، خصوصاً مع اصطدامها بعوائق قانونية واجتماعية واقتصادية ودينية جمّة في غياب قانون مدني موحد للأحوال الشخصية. وتدفع المرأة في لبنان فاتورة باهظة من كثرة قوانين الاحوال الشخصية في بلدها والتي تختلف باختلاف ديانتها، وهو ما يعمق عدم المساواة بين وضعها ووضع الرجل وينقص الحماية المؤمنة لها ولاطفالها عند حصول خلافات عائلية او في حال طلب الطلاق. ويصل عدد قوانين الأحوال الشخصية الى 15، كل منها يطبق على ابناء طائفة معينة، وعدد الطوائف المعترف بها في لبنان هو 18. وان كان الفقر يؤدي الى تعثر العلاقات الزوجية ويدخل الزواج في دوامة المشاكل والخلافات لاسباب مادية، فان استقلالية المراة الاقتصادية تجعلها تصطدم بالنزعة الذكورية للزوج الذي يشعر بتهاوي سلطته ونفوذه عليها. وتشير المحاكم الى أن الطلاق في لبنان يحصل بمعدل 350 الى 450 حالة سنوياً، ونحو 60 في المئة منها دامت فترة الزواج فيها خمس سنوات وما دون، وزهاء 50 في المئة منها لم يدم الزواج فيها أكثر من سنة واحدة. ونسبة الطلاق في لبنان ارتفعت من 4 في المئة من مجموع حالات الزواج قبل 20 عاماً، الى نحو 35 في المئة في الوقت الحاضر، ونصفها حصل في السنة الأولى من الزواج. ويرى علماء الاجتماع ان المؤسسة الزوجية في لبنان تمر حاليا بمرحلة اضطراب، ويطالبون رجال الدين، والمجتمع المدني بعقد مؤتمرات ومحاضرات لتوعية الازواج وحثهم على العودة الى الترابط الاسري. وتفيد احصاءات غير حكومية في لبنان انه مقابل كل ثلاث حالات زواج هناك حالة طلاق واحدة. وترعى الطوائف في لبنان قانون الاحوال الشخصية بما فيه الزواج والطلاق والارث. ويخوض عدد من الاحزاب والجمعيات في المجتمع المدني معركة منذ سنوات طويلة لاقرار قانون مدني للاحوال الشخصية. والطلاق مسموح لدى المحاكم الإسلاميّة وسهل الحصول نسبياً في الطائفة الدرزية، ويبقى صعباً لدى المسيحيين عموماً والكاثوليك تحديداً. وتختلف الحالات التي يسمح فيها بالطلاق باختلاف الاديان وحتى الطوائف فقضايا الطلاق متعددة لدى المسلمين، الا ان الاسباب الشرعية المعترف بها لطلب المراة الطلاق هي عدم تامين نفقة العائلة، او سوء معاملة الزوجة، او سوء المعاشرة الزوجية، فلدى المسلمين، النساء هن اللواتي يرفعن دعاوى الطلاق لان الرجل قادر على تطليق زوجته من دون موافقتها. ولدى المحاكم الجعفرية، لا تستطيع المراة الحصول على الطلاق، الا بقرار من المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، في حال رفض زوجها تطليقها. وتفرض على المرأة لدى جميع الطوائف الدينية حواجز تتخطى ما يمكن ان يواجهه الرجل الراغب في انهاء زيجة تعيسة او مسيئة انطلاقا من اجراءات الطلاق مرورا الى كفالة الاطفال. وتحدث خروقات كثيرة في اروقة المحاكم وفقا لمراقبين، حيث يتم الطلاق في أسرع وقت ممكن، لقاء مبالغ ماليّة كبيرة. وقال قاضي بيروت الشرعي ورئيس محكمة بعبدا الشرعية السنية السابق الشيخ أحمد درويش الكردي "ان الضائقة الاقتصادية التي يمر بها كثير من اللبنانيين وواقعهم المادي المؤلم يتسببان اليوم في ارتفاع معدلات الطلاق". وتؤكد المحاميّة المتخصّصة في دعاوى الطلاق باتريسيا عيد، وتلفت الى أن "المحاكم والمراجع الدينية لا تفصح عن الأرقام الحقيقيّة لحالات الطلاق التي تحصل سنوياً، غير أن الرقم المتداول كبير جداً ومخيف وينبئ بفشل المؤسسة الزوحيّة، إضافة الى أنه يكشف عن التهديدات المتربّصة بها". وترتفع بنسب كبيرة حالات الطلاق في السنة الاولى بين الزوجين حيث انهما يصطدمان بمسؤولية وواجبات الحياة الزوجية وتنقلب ايام الحب والعشق وتبادل الغرام الى اتهامات متبادلة بتقصير الواحد في حق الطرف الاخر. وأكثر الأسباب في حالات الطلاق التي تحصل في السنة الأولى، هو "عدم القدرة على التأقلم وغياب التفاهم وتدخلات الأهل، كما أن الخيانة تحصد النسبة الأكبر من أسباب الطلاق". وقالت المعالجة النفسية والمتخصصة في القضايا والشؤون الأسرية الدكتورة عبلة البساط أن نسبة الطلاق في لبنان تشهد اليوم ارتفاعا ملحوظا، مشيرة إلى أن أهم سبب لهذا الارتفاع هو عدم فهم واجبات وحقوق الحياة الزوجية. وتتحول التكنولجويا في احيان كثيرة الى نقمة وتعكر صفو العلاقات الاسرية. ولفتت المعالجة النفسية إلى أن الغزو التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي دخلت على الخط في السنوات القليلة الماضية لتزيد من المشاكل بين المتزوجين، وتؤثر بشكل سلبي على علاقتهم الأسرية والزوجية. واعتبرت البساط أن تمضية الأزواج أوقاتا طويلة بالتحدث عبر هذه الوسائل والبرامج، وإهمال الواجبات الزوجية والمنزلية "سببت الكثير من المشاكل لدى عشرات بل مئات الأزواج الذين وصل بهم الحال إلى الطلاق". وتشير الأرقام المفزعة حول الطلاق في لبنان إلى وجود خلل في اختيار شريك الحياة، مما يستدعي الحاجة الماسة إلى تأهيل المقبلين على الزواج من خلال مختصين في هذا المجال. وفي غياب ثقافة مجتمعية تعرف الشاب والفتاة على حد السواء بحقوقهما وواجبتهما قبل الزواج، يدعو خبراء إلى سن قوانين تفرض دورات تدريبية للمقبلين على الزواج "من أجل فهم الواجبات والحقوق والإدارة المالية وتربية الأبناء"، ويعتبر خبراء أن مثل هذه الخطوة "ستساهم في تخفيف الكثير من المشكلات بعد الزواج وبالتالي انخفاض معدلات الطلاق". ونصحت المعالجة النفسية والمتخصصة في القضايا والشؤون الأسرية عبلة البساط المقبلين على الزواج بالخضوع الى دورات تدريبة "لحين إقرارها رسميا" في لبنان. واعتبر المستشار القاضي محمد عسّاف أن تهافت الاسر على تزويج بناتهم من رجال يقطنون في الخارج وباستطاعتهم توفير حياة مرفهة، يوقع الفتاة في مازق في كثير من الاحيان خاصة مع عدم معرفتها على طباع وأخلاق زوجها المستقبلي وانشغال الشاب في المقام الاول بصغر سنها وجمالها دون ادراك مدى قدرتهما على تحقيق الانسجام بينهما. وتابع: " وبالتالي ما أن يضمهما سقف واحد حتى تظهر الفوارق والخلافات بينهما ويتحول فارس الأحلام والحياة الزوجية المريحة والسيارة الفاخرة والحساب المصرفي والشقة الفخمة إلى حياة زوجية تعيسة ويصبح الانترنت والشاتينغ والحوارات مع الأغراب المخرج من الحياة الزوجية". وفي لبنان المنفتح على الدول الغربية، اصبحت حفلات الطلاق ممكنة ولا تغيب عنها اجواء الفرح والرقص والغناء. وأعلنت وكالة لتنظيم الاعراس والمناسبات عن إعدادها لهذا النّوع من الحفلات في بلد يعاني من نسبة مرتفعة جدا من الطلاق. وحفلة الطلاق ليست مناسبة حزينة، إنما على العكس، تشكّل فرصة للاحتفال بمرحلة جديدة مع عدد من الاصدقاء والمقرّبين الذين كانوا صدراً رحباً ودعماً في خلال فترة الطلاق وسيشكّلون سنداً للمرحلة الجديدة من حياة المطلّق أو المطلّقة. في هذا اليوم، يتمنّى الزوج السابق والزوجة السابقة لبعضهما البعض حياةً سعيدة، ويصفحان عمّا مضى، ويمضي كلّ منهما في طريقه. أما في حال حصول الطلاق من دون ودٍّ ووفاق، فحينها يحتفل كلّ منهما لوحده بالعبور الى مرحلة جديدة وبطيّ صفحة حملت فشلاً ومعاناة.
مشاركة :