تعم الدولة في هذه الأيام الاحتفالات بمناسبة «حق الليلة»، التي تعد تقليداً متوارثاً في الإمارات، وهي رحلة للأطفال الذين يجوبون الشوارع يرددون الملابس الشعبية، ويحملون أكياساً تخاط خصيصاً لهذه المناسبة ليجمعوا فيها الحلوى، والمكسرات التي يحصلون عليها من أصحاب البيوت، مبتهجين بهذه المناسبة التي توارثتها الأجيال، وتختلف كلمات وتعبيرات هذه المناسبة من دولة خليجية إلى أخرى.ويعبّر الناس من خلال ليلة النصف من شعبان (حق الليلة)، عن سعادتهم بقرب حلول شهر رمضان المبارك، فضلاً عن أنها مناسبة لتعزيز الهوية الوطنية، وتعميق التراث في نفوس الأطفال لحمايتها من الاندثار في ظل التغييرات الحياتية المستمرة.ومن أبرز ما يميز المشاركة في الاحتفال في ليلة النصف من شعبان، ارتداء الأطفال الأزياء الشعبية الجميلة بألوانها الزاهية، وترديدهم الأهازيج التراثية الخاصة بهذه المناسبة، مثل: «عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم»، و«يالله نسير حق الليلة، الليلة أحلى ليلة».ويحتفل بعضهم بالليلة استعداداً لقرب حلول شهر رمضان المبارك، فيما يتخذها آخرون عادة تتوارثها الأجيال على مر السنين، يهدفون منها إلى غرس البهجة في نفوس الأطفال، وتلاحم العائلة وأهل «الفريج» الواحد، فيوزع كل بيت الحلويات والمكسرات على أطفال الجيران.وتجمع الاحتفالية في ليلة النصف من شعبان بين الاحتفاء بالمناسبة الدينية، وتسليط الضوء على الموروث، إحياء للتراث والتقاليد الإماراتية الأصيلة، وتعميق التراث في نفوس الأطفال. وتأتي المشاركة في هذه المناسبة حرصاً على الحفاظ على العادات وتجسيد «حق الليلة» في صورة معبرة ومشرقة تبرز الاعتزاز بالهوية الوطنية، وتسهم في توثيق العلاقات الأسرية بين أفراد المجتمع كافة، فضلاً عن توعية الأجيال والأطفال بالاحتفالات والمناسبات الشعبية والحفاظ على الموروث الشعبي والتراثي، بحسب الدكتور راشد رشود، الباحث في تاريخ وتراث الإمارات.وتختلف تسميات الليلة بين دول الخليج، فيقال عليها «القرنقعوه» في قطر والبحرين، و«القرقيعان» في الكويت والسعودية، و«القرنقشوه» في سلطنة عُمان، و«حق الليلة» في الإمارات، وأياً كانت المسميات أو التعبيرات المصاحبة لهذا الاحتفال إلا أن الطريقة واحدة، فتنثر الليلة عبقها في أرجاء الفرجان، لترسخ في ذاكرة الأطفال، وتعيد الكبار إلى الماضي الجميل، وفرحة الانتقال من بيت إلى آخر محتفلين بحق الليلة، وهم يرددون الأهازيج التراثية، ليتفاعل الكبار والصغار وهم يحيون المناسبة بمظاهر اجتماعية وأسرية وابتكارات جديدة تربط الماضي بالحاضر، ويوثق الجميع تلك اللحظات بصور وعبارات التهنئة. ويقول د. رشود: «في إحدى السنوات احتفلنا بالليلة بطريقة مختلفة؛ إذ كنا في إحدى الدول العربية لظروف الدراسة، وصادف وقت السفر مناسبة حق الليلة، فحرصنا على الاحتفال في هذه الدولة، وأعددنا التوزيعات بطريقة مبتكرة، ووزعناها على جيراننا في الفندق الذي نقيم فيه، ما أسهم في الترويج للموروث الشعبي، وربط الأطفال بالتراث وهم خارج الدولة». ويلفت إلى أن توزيعات "حق الليلة" أصبحت تصل إلى الناس في منازلهم، ووصلته الكثير من التوزيعات قبل تاريخ المناسبة بأسبوع. وتستعد الناس لهذه الاحتفالية بتحضير كميات من الحلويات لإعطاء كل من يطرق الباب، أما الطريقة الثانية فهي خاصة بالعائلة من خلال تجمع الأهل وتحضير مجموعة توزيعات للأطفال، أما اليوم وبفضل قنوات التواصل الاجتماعي زاد إقبال الشباب على الاحتفال، من خلال تبادل الصور الخاصة باحتفالات العائلة ليتشجع الناس على الاحتفال.وعن الاحتفالات قديماً، يقول رشود: «بحلول شهر شعبان كانت الأمهات تستعد بخياطة (الخرايط)، أي الأكياس القماشية، وشراء المكسرات، وكانت الاحتفالية تستمر لمدة 3 أيام ابتداء من 13 من شعبان، وهذا يجعل الفرحة مستمرة، والحلويات كانت توضع في (الجفير)، ويجبرون خاطر الأطفال بإعطائهم المكسرات، والبيت الذي يعطي كميات أكثر كنا ندعو له، وبمجرد أن تمتلئ الخريطة نعود للمنزل ونفرغها، ونكمل طريقنا في التجوال في الفريج وترديد الأهازيج حتى نصل للفرجان القريبة، وكان الأولاد والبنات يتجولون في مجموعات في الفريج، ولم تكن الدراهم من ضمن التوزيعات؛ إذ كانت حكراً على العوائل الثرية التي تضع الدراهم من ضمن التوزيعات. وما أذكره جيداً عندما كنا نجد الدراهم من ضمن التوزيعات نفرح كثيراً؛ حيث كانت بعض الأسر تضع الدراهم مع المكسرات، وهذا كان يشكل مصدر فرح وانتصار لنا آنذاك، وكنا نحرص على ملء الخرائط ونفرغها في المنزل ونكمل المشوار ونردد الأهازيج». ويضيف: «أتذكر الفريج القديم الذي يعج بالصغار المتشحين بأجمل الملابس التقليدية، يدقون الأبواب طلباً للمكسرات بالأهازيج والغناء، وكنا ندور في الفرجان والخريطة على كتفنا، ونطرق جميع الأبواب، وندخل الفرجان المجاورة، ونبدأ في الصباح ونكمل عصراً. كانت الأجواء العامة للاحتفالية على طبيعتها وليس بها أي تصنع كما نرى اليوم، فتغيرت مظاهر الاحتفال ولم تعد الحلويات توضع في جفير مصنوع من السعف، بل دخل في تصميمها أحدث الأفكار، وهناك أفكار جديدة للتوزيعات، وفي المقابل تصر الأمهات الإماراتيات المسنات على حماية التراث بتوظيفه في التوزيعات بطريقة يدمجن فيها الأفكار العصرية مع القطع التراثية التقليدية، لتصبح مشغولاتهن هدايا تراثية تواكب العصر». أهازيج تعد الأهازيج ثابتة على مر العصور، على رغم اختلاف طريقة الاحتفال، فالمقطع الأشهر والذي يردده الأطفال هو «عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم»، وإذا وجدوا الحلويات والمكسرات عند طرق الباب، يقولون «سلم ولدهم يا الله وتخليه لامه يا الله جدام بيتكم وادي والخير كله ينادي». ويردد الأطفال في البحرين: «سلم ولدهم يا الله.. وخله لأمه يا الله»، وفي الكويت يرددون: «قرقيعان وقرقيعان بين قصير ورميضان.. عادت عليكم صيام كل سنة وكل عام». أما أطفال السعودية فيقولون: «قرقع قرقع قرقيعان.. أم قصير ورمضان.. عطونا الله يعطيكم.. يوديكم لأهاليكم.. ويلحفكم بالجاعد.. عن المطر والراعد»، بينما يغني أطفال عُمان: «مرنقشوه يوناس.. عطونا شوية حلواي.. دوس دوس في المندوس.. حاره حاره في السحارة»، وفي قطر: «قرنقعوه قرقاعوه.. يا مكة يا المعمورة.. يا أم السلاسل والذهب يا نوره.. عطونا دحبة ميزان يسلم لكم عزيزان».
مشاركة :