زلزال سياسي يضرب الأحزاب الفرنسية بعد فوز ماكرون

  • 5/11/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

رغم فوزه الكاسح على منافسته مارين لوبان، مرشحة اليمين المتطرف، بحصوله يوم الأحد الماضي على 66 في المائة من الأصوات، لا تبدو مهمة الرئيس الفرنسي المنتخب الشاب سهلة، ولن تكون دروب الإليزيه مزروعة بالورود. وبعد انقضاء نشوة الانتصار، بدأت مهمة تذليل الصعاب التي تعترض طريق إيمانويل ماكرون والممثلة بتحديين متلازمين: الأول، تشكيل فريق عمل حكومي منسجم يعكس وعده بتجديد الحياة السياسية الفرنسية، وتخطي الثنائية القطبية ممثلة باليمين واليسار والانفتاح على المجتمع المدني والتزام مبدأ التساوي بين الرجال والنساء. والثاني، توفير أكثرية نيابية تدعم عمله وتساعده على تنفيذ برنامجه الانتخابي. ويتطلب تحقيق الهدف الثاني تقديم لائحة مرشحيه للانتخابات التشريعية التي ستجرى يومي 11 و18 يونيو (حزيران) المقبل. ثمة إجماع على أن فوز ماكرون لن يكتمل من غير أن «يفجر» الأحزاب الرئيسية التقليدية من الداخل. ذلك أن تجاوز اليمين واليسار يعني عمليا إعادة تشكيل المشهد السياسي الفرنسي وإعادة تموضع للسياسيين من الجانبين وفق الخريطة الجديدة التي تحولت فيها حركة ماكرون «إلى الأمام» إلى اللولب الذي تدور حوله بقية الأحزاب والحركات. ومنذ ليل الأحد الماضي، بدأت تباشير التموضعات الجديدة تظهر إلى العلن. وجاء أول مؤشر من المرشح اليميني والوزير السابق برونو لومير الذي «عرض خدماته» على إيمانويل ماكرون. وقبله سبقه إلى التبرع بالسير في ركابه الوزير السابق جان لوي بورلو الذي ينتمي إلى حزب الوسط، ويحظى باحترام كبير لدى الفرنسيين من اليمين واليسار. وأعلن بورلو الذي سبق له أن انسحب جزئيا من الحياة السياسية أنه مستعد «للمساعدة لعامين أو ثلاثة أعوام» إذا طلب منه ذلك. وكان فرنسوا بايرو، المرشح الرئاسي السابق ورئيس حركة «الديمقراطيين» التي هي أيضا تيار سياسي يتموضع في الوسط، قد عبر عن وقوفه إلى جانب ماكرون منذ ما قبل الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، وعقد معه اتفاقا سياسيا يتناول الانتخابات التشريعية وعدد الدوائر المخصصة لأنصار بايرو. كذلك فإن أسماء بايرو وبورلو ولومير مطروحة لترؤس أولى حكومات العهد الجديد. وسيكون على رئيسها أن يخوض معركة الانتخابات التشريعية، وأن ضمن للرئيس الجديد الأكثرية النيابية التي يحتاجها. يبدو أن «انفجار» الحزب الاشتراكي قد أصبح قاب قوسين أو أدنى. وربما شكلت عبارة رئيس الوزراء الاشتراكي السابق مانويل فالس صباح أمس، إذ أعلن أن هذا الحزب «قد مات وأصبح من الماضي» نعيا له. ذلك أن فالس الذي أخفق في الفوز بترشيح الاشتراكيين للانتخابات الرئاسية شخصية سياسية من الطراز الأول. فهو من جهة يتمتع بحيثية لدى الاشتراكيين باعتباره شغل منصب وزير الداخلية، ولاحقا رئاسة الحكومة، ولكونه يمثل الجناح اليميني الليبرالي الإصلاحي داخل الحزب الاشتراكي مقابل الجناح المتشدد الذي يمثله المرشح بونوا هامون. وأمس، شكل إعلان فالس أنه ينوي الترشح للانتخابات التشريعية في دائرته التاريخية «مدينة إيفري في منطقة أيسون الواقعة جنوب باريس» ليس تحت راية الحزب الاشتراكي بل تحت راية حركة «إلى الأمام» التي تحولت إلى «الجمهورية إلى الأمام» ضربة قاضية لوحدة الحزب. ولاقت بادرة فالس انتقادات واسعة من قدامى رفاقه، وقال رئيس الحكومة الذي سيقود معركة الاشتراكيين القادمة إنه «يتعين على الاشتراكيين أن يكونوا على مستوى التحدي، وهم لا يمكنهم التخلي عن هويتهم». ودعا كازنوف الاشتراكيين ليكونوا «أقوياء»، وأن يضعوا نصب أعينهم «إنجاح» العهد الجديد و«ليس المعارضة المنهجية». لكن الاشتراكيين لا يريدون الذوبان في حركة «إلى الأمام»، وهو ما يمثل الخط العام للحزب أو ما تبقى منه المنقسم عمليا بين ثلاثة أجنحة: الأول، يقوده فالس ويدعو إلى الانخراط في تيار الرئيس الجديد. والثاني يتشكل من بونوا هامون وأنصاره وهم يعارضون ماكرون وبرنامجه الانتخابي المغالي في الليبرالية، ويريدون التقارب مع جان لوك ميلونشون، مرشح اليسار المتشدد الذي حصل على نحو 19 في المائة من الأصوات في الجولة الرئاسية الأولى. وبينهما تقع مجموعة أمين عام الحزب وأصدقاء الرئيس هولاند. وأمس، سمعت أصوات تدعو إلى «طرد» فالس من الحزب وإلى ترشيح منافس اشتراكي ضده في دائرته عقابا له. وقال جان كريستوف كمبادليس، الأمين العام للحزب، إنه سيكون «من الصعب» أن يحافظ فالس على بطاقته الحزبية إذا انضوى تحت راية «إلى الأمام». ونقل عن كمبادليس قوله في اجتماع «المجلس الوطني» للحزب الذي التأم أمس من أجل تحديد «خريطة طريق» للتعامل مع العهد الجديد والانتخابات، إن أي مرشح اشتراكي يتخلى عن الحزب لصالح «إلى الأمام» سيجد بوجهه منافسا اشتراكيا. ولا يوجد كثير من المحللين السياسيين الذين يراهنون على بقاء الحزب الاشتراكي موحدا بعد الهزيمة القاسية التي لحقت بمرشحه الرئاسي، وبسبب اختلاف الاستراتيجيات والقراءات السياسية للمرحلة المقبلة. وكان كثير من الوزراء الحاليين وبينهم «إلى جانب فالس» وزير الدفاع الحالي لودريان قد التحقوا بالرئيس المنتخب، وتخلوا عن مرشح حزبهم الرسمي، وبالتالي ليس مفاجئا أن يلتحقوا به بعد فوزه. ما يصح على الحزب الاشتراكي يصح على اليمين ممثلا بـ«الجمهوريين» ولكن بدرجة أقل. فهذا الحزب عانى من هزيمة مرشحه فرنسوا فيون. وكانت المرة الأولى في تاريخ الجمهورية الفرنسية التي يغيب فيها عن الجولة الثانية. وخلال سبعة عهود، تربع اليمين على السلطة في خمسة منها. ولذا، فإن إعادة النظر في الاستراتيجيات السياسية تشغل قادته. إلا أن اليمين اختار تصفية الحسابات الداخلية في مرحلة لاحقة، أي بعد الانتخابات التشريعية، لأنه يعتبر أنه قادر على الفوز بها. وإذا تم له ذلك فسيكون باستطاعته أن يفرض على رئيس الجمهورية الجديد نظام «المساكنة»، إذ تعود الحكومة للحزب الذي يتمتع بأكثرية في مجلس النواب. وسبق لفرنسا أن جربت هذا النظام مع الرئيس الاشتراكي الأسبق فرنسوا ميتران «ما بين عامي 86 و88» ومع الرئيس اليميني جاك شيراك «ما بين عام 97 وعام 2002». ومنذ فوز ماكرون، اتخذ «الجمهوريون» قرارا بفصل من يلتحق بالرئيس الجديد فورا وبمحاربته انتخابيا لإسقاطه. وسلم الحزب الوزير السابق وعضو مجلس الشيوخ فرنسوا باروان عصا القيادة، كما رشحه ليكون رئيس الحكومة العتيد في حال حصل على الأكثرية. إزاء هذا التصلب، يملك ماكرون ورقة رابحة هي اختيار رئيس الحكومة. ومن بين الأسماء المطروحة كزافيه برتراند، وهو أحد وجوه الحزب البارزة ووزير سابق ومن دعاة التحالف بين «الديمقراطيين» من أجل محاربة اليمين المتطرف. كذلك يتم تداول اسم النائب اليميني أدورا فيليب، وهو المقرب من رئيس الوزراء السابق ألان جوبيه. ويمثل جوبيه الذي فشل في الحصول على ترشيح حزبه للانتخابات الرئاسية، التيار المعتدل لدى «الجمهوريين». وبالطبع، هناك اسم برونو لومير... ولكل من الأسماء حسناتها ومساوئها، ولن يعرف الاسم الذي وقع عليه اختيار ماكرون إلا يوم الاثنين المقبل، أي بعد عملية التسلم والتسليم. وكان لافتا أمس أن جوبيه دعا «الجمهوريون» إلى الابتعاد عن سياسة «المواجهة الدائمة» مع عهد ماكرون، لأنه «يتعين العمل بشكل يتيح لفرنسا أن تنجح في تحقيق الإصلاحات التي تحتاجها». قيل إن نجاح ماكرون سيحدث زلزالا سياسيا. والواقع أن هذا الزلزال قد وقع وقد أصاب الاشتراكيين واليمين التقليدي، ووصلت تأثيراته إلى اليمين المتطرف، حيث يرى كثيرون أن مارين لوبان «لم تكن بالمستوى» المطلوب، وأن الخط السياسي الذي اختارته حرم الجبهة الوطنية من الوصول إلى السلطة، ووجه ضربة قد تكون قاضية للتيار الشعبوي في كل أوروبا. وإحدى دلائل الأزمة الداخلية لحزب مارين لوبان أن ابنة أختها ماريون مارشال - لوبان وهي النجم الصاعد والشابة الواعدة قررت اعتزال الحياة السياسية. وماريون مارشال لوبان هي أحد نائبين للجبهة في البرلمان المنتهية ولايته، وقد انتخبت في دائرة في جنوب فرنسا، وهي لم تنه بعد دراستها الجامعية. وكما في اليمين المتطرف، كذلك تطرح أسئلة داخل اليسار المتشدد «ميلونشون» الذي يبدو عاجزا حتى الآن عن التوافق مع الشيوعيين الذين دعموا مرشحه الرئاسي. وبين استطلاع للرأي أجري لصالح الرئاسة الفرنسية، وكشفت تفاصيله صحيفة «لو كنار أونشينيه» الساخرة في عددها أمس، أن كتلة ماكرون ممكن أن تحصل على 220 نائبا «من أصل 577 نائبا» بحيث سينقصها 69 نائبا لتتوافر لها أكثرية الصوت الواحد. بالمقابل، فإن حزب «الجمهوريين» اليميني سيحصل على 285 نائبا والاشتراكيين على ستين نائبا. يبقى أن حزب الجبهة الوطنية، رغم تمكن مرشحته مارين لوبان من الحصول على أكثر من عشرة ملايين ناخب، فإنها لن تفوز إلا بـ40 مقعدا، بسبب طبيعة القانون الانتخابي الأكثري. ويأتي في نهاية السلسلة حركة «فرنسا المتمردة» التي ستحصل على 15 نائبا. وبالنظر لهذه النتائج المتوقعة، فإن اختيار رئيس الحكومة الأولى لعهد ماكرون يبدو مفصليا، وسيكون الأخير حريصا على اختيار الشخصية التي تؤمن له الأكثرية النيابية أو تقربه منها إلى الحد الأقصى حتى لا يخضع لاحقا للمساومات الدائمة والمضنية.

مشاركة :