قلّصتْ زيارة البابا فرنسيس مصر من تصاعد لهجة اللوم والانتقاد للأزهر من جانب طيف واسع من المثقفين والإعلاميين والبرلمانيين المصريين. لكنّ اتهام رئيس جامعة الأزهر الإعلامي إسلام البحيري بـ «الردة» أشعل مجدداً الجدل في الداخل المصري، وأثار التساؤل والحيرة عمّا إذا كان دور الأزهر يتمثل في العمل على تجديد الخطاب الديني وتكييفه مع العصر أو تشجيع التطرف عبر احتكار النقاش الديني وتقييده. صحيح أن شيخ الأزهر أحمد الطيب سارع إلى إقالة رئيس الجامعة أحمد حسني طه، إلا أن ذلك لم يُنهِ حِدّة الانتقادات التي تدور في مجملها على أن ما عبّر عنه طه يعكس الروح العامة داخل أروقة الأزهر، وأن الكلام عن ازدراء الأديان أو الخروج عما هو معلوم من الدين بالضرورة، ما هو إلّا غطاء لمحاربة حرية التفكير في الشأن الديني، ومنع اعتباره شأناً عاماً لا خاصاً بالمؤسسة الدينية، وبالتالي عرقلة أي خطوات للتجديد والتأويل. يترتب على ذلك أن الكلام عن «ازدراء الدين» قد يغدو الوجه الآخر، المضمر، للتكفير ورفع سيفه في وجه من يخرج على احتكار النقاش الديني. وقد علّق البحيري نفسه، بعد قرار الإقالة، بقوله أن وجه الغرابة أن طه كفّره بينما لا يكفّر «داعش»، وهو في الحقيقة انتقاد يُوجّه إلى مؤسسة الأزهر بعامة حيث سبق أن رفض شيخه تكفير «داعش» بدعوى أن عناصره يؤمنون بالله! إنّ التطرف والإرهاب قد يتغذيان على الظلم والتهميش والتفكك الاجتماعي وفساد التعليم والاستبداد السياسي وغياب العدالة، لكنّ أسوأ ما قد يتغذيان عليه هو التأويلات العنيفة والمتطرفة للنصوص الدينية. لذلك، فإن المجتمعات والنخب في منطقتنا تعمل خيراً كثيراً لنفسها وللعالم إنْ هي نزعتْ عن النصوص الدينية شبهة التحريض على العنف أو الإكراه، فهذا يصبّ في مصلحة مطالب المجتمعات بالحياة الكريمة. ولقد أصبح العالم أقل تعاطفاً مع مطالب الحرية والعدالة على أسس دينية لأنّ شبهة العنف والتطرف تقتل أي قضية، حتى لو كانت عادلة. البحيري كرر هذا الكلام، في شكل ما، بقوله: «الأسباب التي قد تدفع أو تتيح الشخص لِتفجير نفسِه هي أسباب دينية بحتة»، متسائلاً: «هل الدين أمر بذلك... الإجابة لا... وهو الفارق. فالدين ليس له علاقة بتفسيره البشري، لذلك يجب نَقد هؤلاء البشر الأوائل (من المفسرين والفقهاء)، وتنقيح كتب التراث لأنهم هم من وضعوا التفسيرات والمصطلحات لكي يأتي شاب يُؤمن بأن العالم أجمع كافر، ويجب قتاله». مؤدى الكلام أنّ الدِّين السَوِيّ يبحث عن تفسيرٍ سَوِيّ، وليس في هذا الكلام ازدراء للأديان، بل سعي لتقديم صورة الدين كنقيضٍ للعنف والتسلط والتأخر، ولا يكون ذلك إلّا بالاعتراف بمنابع الكراهية والعنف في تاريخنا، ويبدو أنّ أدوات الحقل الديني القديمة صارت قاصرة على إنجاز هذه المهمة، فالعالم والمعرفة الإنسانية أكبر منها بكثير، وعليها أن تستوعبهما لتُبصِر أكثر، وهذا تحدٍّ كبيرٌ أمام الأزهر... وأمام الإسلام المعاصر. * كاتب أردني
مشاركة :