أكد فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد النعمة -الخطيب والداعية الإسلامي- في خطبة الجمعة بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب، أن العبد منذ استقرت قدمه في هذه الدنيا، مسافر فيها إلى ربه، ومدة سفره هي عمره الذي كتب له إلى أجله، ثم قد جعلت الأيام والليالي مراحل سفره، فكل يوم وليلة مرحلة من المراحل فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر. وأوضح النعمة أن الذكر يفتح أبواب الرزق، وأنه من أعظم ميادين العمل والاجتهاد، مصداقاً لقوله –عز وجل-: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا»، وعلق الله الفلاح باستدامة الذكر وكثرته، فقال: «وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، موضحاً أن الله -تعالى- حذّر من خسارة ذكره -جل شأنه- بالانشغال عنه فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذلك فأولئك هُمُ الْخَاسِرُونَ». وشدد النعمة على ضرورة ذكر الله، متسائلاً كيف يضيع العاقل لحظات عمره لهفاً ولهثاً وراء حطام الدنيا وما فيها، وهي لا تساوي بضع كلمات من ذكر الله، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» كم نحن عاجزون عن كسب الحسنات في دقائق ولحظات! تكفير للذنوب وجلب للحسنات أكد النعمة أن الذكر حصانة من وسوسة الشيطان وأتباعه، وهو مكفر للذنوب وجالب للحسنات، وفاتح لأبواب الرزق، وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قال: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ». وقال خطيب الجمعة: «لا يفوتنا أن نذكر ما للاستغفار من ثواب جزيل، وأن الله أمرنا بالتوبة والاستغفار، وجعله مما تدفع به العقوبة ويرفع به العذاب، وهو سبب لتفريج الهم، وجلب الرزق، ونزول الغيث، بل إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يكثر منه». وأضاف: علينا العلم أن سيِّد الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لا إِلَه إِلاَّ أنت خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيّ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ، منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا، فَمـات مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ». وقاية من الشيطان شدد خطيب الجمعة علي ضرورة ذكر الله تعالى في كافة المناسبات، ومنها عند الخروج من البيت ففيه حصانة من الشيطان، ووقاية من شر الأشرار، وهداية وكفاية من رب الإنس والجان. روى أبو داوود وغيره عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قال -يعني إذا خرج من بيته-: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هديت وكفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان، فيقول -يعني الشيطان- لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي!!». وأوضح أن من أذكار المناسبات، أذكار الصباح والمساء، والنوم، فهي حصن حصين يطرد الشياطين ويرضي رب العالمين، والأذكار الواردة عقب الصلوات المفروضة، ومنها ما لا يتسع المقام لبسطها وذكرها. وقال: «إن أفضل الأيام الجمعة، وعلينا أن نكثر فيه من الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم-، ففي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من صلى عليّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً». خير عظيم في دقائق معدودة تساءل النعمة: هل عجز الناس عن قول بعض هذه الأذكار خلال دقائق معدودة في الصباح أو المساء، لينالوا هذا الخير العظيم والثواب الجزيل؟!! ودعا إلي ضرورة أن يجعل كل منا لنفسه لساناً ذاكراً، وقلباً خاشعاً، ذاكراً وشاكراً، وعابداً لرب العالمين. وقال موجهاً حديثه لجموع المصلين: «استمعوا -رعاكم الله- إلى كلام من بارك الله في أعمالهم، إلى من ذاقوا طعم المحبة، ولذة العبودية، تأملوا كلام من كانت ألسنتهم رطبة بذكر الله، ولسان حال أحدهم يقول: والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت إلا وحبّـك مقـرون بأنفاسـي ولا جلست إلى قوم أحدّثهــم إلا وأنت حديثي بين جلاســي وقال أبو بكر -رضي الله عنه-: «ذهب الذاكرون الله، بالخير كله». وقال ابن القيم: «وأفضل الذكر وأنفعه ما وطأ فيه القلب اللسان، وكان من الأذكار النبوية، وشهد الذاكر معانيه ومقاصده».;
مشاركة :