سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن «اتفاقية الانتساب» فيديريكا موغيريني الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية وووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي (غيتي)•تهدف الشراكة الشرقية إلى توطيد وتعميق العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والدول الست المجاورة له هي أرمينيا وأذربيجان وروسيا البيضاء وجورجيا ومولدافيا وأوكرانيا فلادلفيا (الولايات المتحدة) – مايا أوتاراشفيلي يجري الاتحاد الأوروبي توسعاً بطرق جديدة وغير تقليدية. بعد إجراء عدة جولات من التصويت في البرلمان الأوروبي. بدءاً من العام الحالي، تمكن الجورجيون والأوكرانيون السفر إلى أوروبا دون تأشيرة. وعلى الرغم من التحديات الهائلة التي لا تزال تواجه جورجيا وأوكرانيا فيما يتعلق بعدم استقرارهما الداخلي على الصعيدين الاقتصادي والسياسي وفيما يخص قضايا الأمن الإقليمي المستمرة، أثبتت الدولتان التزامهما الثابت بمسارهما الأوروبي، فكافأهما الاتحاد بحافز مغرٍ، من المرجح أن يغير مستقبل منطقة البحر الأسود إلى الأبد. ومع ذلك، تحمل الأنباء أهمية كبرى تتعلق بالجغرافيا السياسية للمنطقة. فهو مكسب كبير للاتحاد الأوروبي ضد روسيا، حيث أدى هدف ممارسة النفوذ على الدول الخاضعة لروسيا في السابق إلى أن يخوض بوتين حروبا تقليدية وهجينة باهظة في منطقة أوراسيا بأكملها. علاوة على ذلك، أخفقت دعاية التضليل الإعلامي الهائلة في تشويه صورة الاتحاد الأوروبي أمام الجورجيين والأوكرانيين، بينما استمر الاتحاد الأوروبي في التمتع بمعدلات شعبية مرتفعة في البلدين، ويوشك على جني الأرباح الاقتصادية الناتجة عن هذا الاتفاق الجديد.قيمة الشراكة الشرقية يقدم الاتحاد الأوروبي عن طريق «دائرة النفوذ» الخاصة به طريقا أخرى للدول كي تصبح جزءا منه دون أن يمنحهم عضوية فعلية. استطاع الاتحاد من خلال «سياسة الجوار» ذات الجوانب الأربعة إقامة علاقات مميزة مع الدول المجاورة له تتجاوز المشاركة في الحدود أو مجرد تبادل حسن النوايا. يأتي ضمن سياسات الجوار مفهوم الشراكة الشرقية بالغ الفاعلية بالنسبة للاتحاد فيما يخص كسب النفوذ وتوطيد العلاقات مع الدول الشيوعية السابقة غير المنضمة للاتحاد (وكثير منها شديد القرب من روسيا). تهدف الشراكة الشرقية إلى توطيد وتعميق العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والدول الست المجاورة له شرقا، وهي: أرمينيا وأذربيجان وروسيا البيضاء وجورجيا ومولدافيا وأوكرانيا. وتقدم الشراكة عددا من المزايا للدول الشرقية المجاورة، فمن بين الأبعاد الثنائية تعزيز التعاون السياسي وزيادة التكامل الاقتصادي مع الاتحاد ودعم حرية انتقال المواطنين وسفرهم دون تأشيرة. ويتضمن البُعد متعدد الأطراف تبادل أفضل الممارسات في مجالات الحكم الرشيد، والتكامل والنمو الاقتصادي، وأمن الطاقة والمواصلات، كما يضم برامج تعاون إقليمي في مجالات الطاقة والبيئة والاستجابة للكوارث وإدارة الحدود ودعم المشروعات الصغيرة. كذلك تضم الشراكة الشرقية مكونا يتعلق باتفاقية الانتساب إلى الاتحاد. اتفاقية الانتساب هي أداة الاتحاد الأوروبي الرئيسية للتقريب بين دول الشراكة الشرقية ومعايير الاتحاد الأوروبي وأعرافه. وتتضمن أربعة فصول عامة هي: سياسة خارجية وأمنية عامة؛ وعدل وشؤون داخلية؛ ومنطقة التجارة الحرة العميقة والشاملة؛ وفصل رابع يغطي مجموعة من القضايا منها البيئة والعلوم والمواصلات والتعليم. وفي حين يمكن أن تكون هذه المزايا مفيدة للغاية للدول المتلقية، بناء على كيفية تنفيذ البرامج، فإن معظم الدول تشارك لأن انضمامها إلى الشراكة الشرقية يعني اتخاذ مسار الانضمام إلى الاتحاد في النهاية، حتى وإن كان مسارا طويلا. وعندما أطاح الأوكرانيون برئيسهم في عام 2014 بعد أن اختار عدم التوقيع على اتفاقية الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي، لم يتظاهروا بسبب خسارة فرصة «لتبادل أفضل الممارسات الصناعية مع الأوروبيين»، بل لأنهم علموا أن فرصتهم في الحصول على تأشيرة حرة للسفر إلى أوروبا، والانضمام إلى الاتحاد في النهاية، قد ضاعت.روسيا يجب أن تعترف بالهزيمة هذه المرة في مارس (آذار)، أقامت جورجيا احتفالات شعبية في جميع أنحاء البلاد احتفالا باتفاق التأشيرة الحرة، ووصفه سياسيون جورجيون بالإنجاز «التاريخي». وفي خطاب بالفيديو هنأت رئيسة ليتوانيا داليا غريباوسكايتي جورجيا على هذا الإنجاز قائلة: «من الآن فصاعدا، ستصبح دولتانا أقرب بفضل جهود الشعب الجورجي». تعد ليتوانيا، عضو الاتحاد السوفياتي السابق التي أصبحت الآن عضوا في الاتحاد الأوروبي، نموذجا يحتذى أمام كثير من دول الشراكة الشرقية. ويعطي ترحيب غريباوسكايتي بالجورجيين في اتفاق التأشيرة الحرة الجديد مع الاتحاد الأوروبي إشارة رمزية تحمل رسالة قوية للكرملين؛ هذه المرة ربح الاتحاد الأوروبي، أولا مولدافيا والآن جورجيا وقريبا أوكرانيا، ويعد السفر دون تأشيرة أول خطوة تجاه حصول هذه الدول على العضوية، والخروج من دائرة النفوذ الروسي. لهذا السبب كانت روسيا حريصة على عرض بدائل شبيهة للاتحاد الأوروبي على دول الشراكة الشرقية. على سبيل المثال، بعد إقناع رئيس أرمينيا سيرج سركسيان بعدم توقيع اتفاق الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي، عرضت روسيا، إلى جانب روسيا البيضاء، عضوية الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي على أرمينيا. وقد قبلها الرئيس سركسيان في النهاية. في الوقت الحالي يضم الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي أربعة أعضاء: روسيا البيضاء وروسيا وكازاخستان وأرمينيا. وبمجرد أن ذاعت أنباء اتفاق التأشيرة الحرة بين جورجيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي في ديسمبر (كانون الأول) عام 2016، عرض بوتين على الجورجيين والأوكرانيين السفر إلى روسيا دون تأشيرة. عقب ذلك شنت وسائل الإعلام الناطقة بالروسية حملة من التضليل الإعلامي والهجوم لوصف اتفاق السفر دون تأشيرة بأنه فخ للجورجيين والأوكرانيين (لأنه بناء على تلك الكتابات سوف يستغل الاتحاد الأوروبي بنود الاتفاق لمنع مواطني هذين البلدين من دخول الاتحاد بدلا من الترحيب بهم في أعداد كبيرة)، وأنه مجرد لعبة دعاية للاتحاد الأوروبي. منذ فترة تسبق إنشاء الاتحاد السوفياتي، تدعي روسيا أن دول الشراكة الشرقية تقع داخل دائرة نفوذها. بيد أن العمل داخل تلك الدائرة لم يقدم مزايا جذابة مثل تلك التي تقدمها الشراكة الشرقية؛ بل جلب معتقلات غولاغ، والتجميع القسري، ولاحقا تعثر الاقتصاد والجريمة المنظمة وأرباب الجريمة ومليارديرات الأقلية الحاكمة. كذلك لم يكن التعايش السلمي مع روسيا ممكنا قط لكل من جورجيا ومولدافيا وأوكرانيا وغيرها. ومن الواضح أن فلاديمير بوتين يفهم مدى جاذبية التكامل الأوروبي عبر عضوية الاتحاد الأوروبي لهذه الدول، ويعمل جاهدا لمنع توسع الاتحاد الأوروبي إلى تلك الدرجة القريبة من الحدود الروسية. وقد نجح في إبعاد أرمينيا عن التوقيع على اتفاق الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي. كذلك ابتعدت أذربيجان وروسيا البيضاء عن توقيع اتفاق الانتساب، حيث لا ترغب الدولتان في تنفيذ الإصلاحات اللازمة استجابة لشروط الاتحاد الأوروبي الأساسية. ولكن اتبعت جورجيا ومولدافيا وأوكرانيا توجيهات الاتحاد الأوروبي بدقة، وبعد الأعوام الأخيرة الصعبة، والتصويت داخل البرلمان الأوروبي بالرفض في البداية، أثبت الاتحاد مرة أخرى قيمته بمنح التأشيرة الحرة إلى جورجيا وأوكرانيا (ويذكر أن مولدافيا تتمتع بالتأشيرة الحرة منذ عام 2015).ما لا تحتاجه قد يكون كنزاً لغيرك يُفضل المشككون في أميركا وأوروبا القول إن الاتحاد الأوروبي «مشروع فاشل»، وإنه بلا قيمة، ولكن تظل كثير من بلدان الشراكة الشرقية مستقرة ومستمرة في إصلاحاتها في الغالب نتيجة لمساعدة الاتحاد الأوروبي ولمجرد احتمالية الحصول على عضوية الاتحاد المرغوبة في أحد الأيام. بالإضافة إلى ذلك، لم يُنشئ الاتحاد الأوروبي لنشر الديمقراطية حول العالم، أو حتى في أوروبا ذاتها. كانت مهمته الأولى تعزيز التعاون الاقتصادي. وكانت الفكرة وراء ذلك بسيطة: «إن الدول التي تتعامل تجاريا مع بعضها البعض تصبح مترابطة اقتصاديا، وبذلك تصبح أكثر ميلا لتجنب الصراعات». بعد عقود من السلام بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أصبح من السهل التغافل عن حقيقة أن الدول الأوروبية قديما دخلت في حروب دموية دائمة ضد بعضها البعض، مما أسفر عن اندلاع حربين عالميتين منفصلتين في ماضٍ ليس ببعيد. كان الدمار الناجم عن الحرب العالمية الثانية هو السبب في إنشاء الاتحاد الأوروبي كي يحل سلام مستقر ودائم، أولا قبل أي شيء. يبدو السلام المستقر والدائم بعيدا عن الأوكرانيين الذين تحولت بلادهم إلى مسرح لحرب أهلية تدعمها روسيا منذ ثلاث سنوات. يكمن هذا النوع من السلام أيضا وراء رغبة جورجيا في البقاء بعيدا عن مدار روسيا والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. إن احتمالية تحقيق هذا السلام المستقر والدائم هي التي جذبت كثيرا من بلدان الشراكة الشرقية إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وهي الميزة التي يعتبرها كثير من الأوروبيين أمراً مُسَلماً به. وبالتالي فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، يبدو أن قيمته تزداد كثيراً عند النظر إليه من الشرق إلى الغرب، بدلا من منظور الغرب إلى الشرق.
مشاركة :