احترام الرأي والاختلاف معضلة زمانية كانت ولا تزال ترافق الإنسان في حياته، فالكثير من المشاكل والأزمات والحروب كان أحد أسبابها عدم وجود ثقافة احترام الرأي والاختلاف. ورغم ان عملية الإثراء الثقافي والعلمي ومقياس تطور الدولة، تقوم على قوة ثقافة اختلاف الرأي، إلا ان انغلاق العقول جعل من الاختلاف عداوة أضعفت ترابط المجتمع وتسامحه. ديننا عَمل بهذه الثقافة، كما تاريخنا، فالإسلام له دور كبير في تعزيزها بقول الله تعالى «وشاورهم في الأمر»، و «وأمرهم شورى بينهم»، في إشارة الى أهمية احترام الرأي والاختلاف للتوصل الى الحكمة والدقة في كل شيء في الحياة. الرسول محمد، عليه الصلاة والسلام، كان يُعلّم أصحابه ثقافة احترام الرأي والاختلاف ويعمل بها، ففي معركة بدر وقف جيش المسلمين عند آبار الماء، فتساءل الحباب بن المنذر أحد أصحاب النبي إن كان هذا وحياً من الله أم هو رأي، وعندما علم إنه لم يكن وحياً من الله أعطى رأيه العسكري بأخذ كل الآبار ومنع جيش العدو من الشرب، فعمل بها النبي، وكانت النتيجة النصر. في معركة الزلاقة في الأندلس عام ١٠٨٦ أرسل الفونسو السادس ملك قشتالة وقائد الجيش الى القائد العربي يوسف بن تاشفين رسالة لتأجيل المعركة الى يوم الإثنين نظراً الى أن الجمعة والسبت والأحد هي أعياد المسلمين واليهود والمسيحيين، فعقد القائد العربي مَجلساً للشورى ضم القادة وأهل الرأي، وقد أجمعوا على أنها خدعة وأن الهجوم سيكون مُباغتاً، فأرسل العرب سرايا استطلاع وتأكدوا من أن هناك تحركاً عسكرياً، فاستعدوا له وخاضوا القتال، وكانت النتيجة النصر. الثورات العربية كانت مثالاً ونتيجة لعدم احترام ثقافة الرأي والاختلاف وأحد أسباب اشتعالها، لأن الحكومات فرضت فكراً وأيديولوجيا وسياسة واحدة بالقوة، ما ولّد ضغطاً وسخطاً لدى العامة، فحدث التغيير بالقوة. إذاً السؤال هو: الإسلام والأمثلة التاريخية تدل على ان احترام الرأي والاختلاف يؤديان الى الصواب، فلماذا لا نملك هذه الثقافة بشكل كاف؟ ولماذا لا يتم العمل بها؟ الأسباب لا حصر لها، ولكن يمكن إيراد سببين: الأول الموروث الاجتماعي السلبي، مثل بعض العادات والتقاليد العشائرية البدوية، حيث تربط قوة الشخصية والرجولة بفرض الرأي الواحد وعدم قبول الاختلاف. والثاني عدم وجود توجيه وإرشاد لهذه الثقافة في العملية التعليمية. ولتنمية ثقافة احترام الرأي والاختلاف، فإن الحل هو في إضافة مواد دراسية لتعليمها للطلبة في كل المراحل، واستخدام وسائل الإعلام لنشر هذه الثقافة وتعزيزها من خلال البرامج والإعلانات المعدة على يد خبراء، مدفوعة الثمن من الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، واستيراد أفكار وتجارب تفعيل هذه الثقافة من الدول الأخرى، وإضافة الى تقديم الندوات والمؤتمرات وورش التوعية ودعوة الأطفال والشباب من المدارس والجامعات، يجب أن تبتعد الحلول عن أسلوب التحفيظ وتعتمد النقاش والحلقات الحوارية وإعطاء الفرصة للآخر لتكون هادفة تهذّب عقل الشباب وتعلمه كيفية السيطرة على انفعالاته، ليتغلب على الموروث الاجتماعي السلبي، فتنمية هذه الثقافة تحتاج الى عمل يستمر سنوات يرافق الأجيال في كل مستوى من دراستهم وحياتهم بتأثير مختلف. هنا تبدأ مرحلة التغيير، حيث تنتشر ثقافة احترام الرأي والاختلاف من المدرسة الى أعلى المناصب السياسية، عندها إذا شعر المواطن بأن الحكومة تدعم هذه الثقافة يزداد إيمانه وعمله بها، ليحل التسامح والترابط بين مكونات المجتمع بدلاً من الخلافات. إن ثقافة احترام الرأي والاختلاف من أهم مقاييس تقدم الدول، فكلما انتشرت كانت الدولة أكثر تحضراً وتقدماً.
مشاركة :