يقال الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. ولولا اختلاف الأنظار لبارت السلع. ولولا اختلاف التخصصات لأصبح الجميع في تخصص واحد وبقية التخصصات التي يحتاجها المجتمع بدون من يتخصص بها. ولولا اختلاف الميول والتوجهات والأذواق لأصبحت ميولنا واتجاهاتنا وأذواقنا واحدة. الله سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين في كل شيء في عقولنا وأفكارنا وتوجهاتنا وأشكالنا حتى بصمة الأصابع لا تجد أي شخص في العالم تتطابق البصمة معه. و كذلك بصمة الحمض النووي مختلفة عن الآخر بل أن أحد المختصين قال لي أنها تظل مختلفة لسبعة أجيال؟! .إذن كل واحد منا مختلف عن الآخر في الذكاء وبذلك فإن هناك بدون أدنى شك اختلافات في الفروق الفردية بين البشر. ذلك الاختلاف بين خلق الله ميز كل بني آدم عن الآخر بالعقل وبالفكر والمنطق والفلسفة وبالذكاء وبالميول وبالاتجاهات وغيرها من الاختلافات والفروق الفردية. المجادلة وهي الحوار وكيفية التحاور مع الآخر يجب أن تكون بالحكمة والموعظة والمجادلة الحسنة. أي موضوع يهم الأسرة أو المجتمع يجب أن يخضع للحوار،والحوار هو التشاور للخروج بقرارات مجمع عليها.قال تعالى (وأمرهم شورى بينهم) أي أن لا ينفرد أي شخص بالقرار دون البقية، فالقرار يجب أن يكون بإجماع المتحاورين أو بالأغلبية إذا انتفى الإجماع عليها. أفكارنا وآراؤنا ووجهات نظرنا نعرضها على الآخرين ولكن لا نفرضها عليهم لأننا بحاجة ماسة لتغذية منهم تقوم المعوج فينا. فمهما كانت لدينا من وجهات نظر وآراء صائبة تظل ناقصة ونحتاج من الآخرين إكمالها وتصحيحها ونقدها نقداً إيجابيا بناءً حتى تكون وجهة النظر أو الرأي صائباً يستفيد منه الجميع. الحوار الهادئ البناء هو من يضيق الفجوة بين المتحاورين وبذلك يصلون في النهاية إلى نتيجة واحدة جامعة يستفيد منها الجميع. البعض من أحاديي الفكر، الذين يرون أن رأيهم ووجهة نظرهم هي الصائبة ،ويتمسكون بها بل ويستميتون بالدفاع عنها ،هم من نوعية حفظة النصوص الذين تعلموا وتتلمذوا على أساتذة أحاديي الفكر يعلمون النشء مذهباً واحداً وغيرها من المذاهب الإسلامية غير صالحة؟! وتناسى هؤلاء أحاديو الفكر أن اختلاف الأئمة رحمة بالأمة. والاختلاف في الرأي ظاهرة صحية شريطة أن لا يتحول الاختلاف إلى تطاول وتهجم شخصي وانتهاك لحقوق الآخر. فعندما يفشل المحاور في مقارعة الحجة بالحجة فإنه يستخدم السب والشتم ونعت الآخرين بأبشع العبارات كحيلة دفاعية للخروج من مأزق غياب الحجة والدليل والبرهان لديه. الغياب الكامل لثقافة الحوار ،وكيف نحاور بهدوء ، وكيف نحترم الآخر، وكيف نتقبله بسلبه وإيجابه ،وكيف نحافظ على حقوقه ؟!هو الذي أوجد لدينا متطرفين بل منحرفين في الفكر إما ذات اليمين والإستماتة بالمحافظة على القديم أو ذات اليسار كنزعة للتجديد والتخلص من الموروث القديم. الإسلام كدين نزل من السماء هو آخر الأديان وبالتالي هو يواكب كل زمان وكل مكان ،وإذا أخذنا بهذا المنطق العقلاني فإن معنى هذا أن نرتقي بهذا الدين دون المساس بثوابته لنجعله يواكب كل زمان وكل مكان. لا يمكن أن يكون ديناً عصرياً وأنت تريد من الناس بل تطلب منهم أن يطبقوه مثلما كان يطبق قبل ألف وأربعمائة وست وثلاثين سنة لاختلاف المفاهيم بل وفي كل شيء. الآراء ووجهات النظر تخضع لقناعات كل شخص ولا تخضع لقناعات البعض الآخر الذين يرفضون الحوار البناء ،ويرون أن تلك الأمور منكر يجب تغييره باليد وليس بغيرها ؟!حرية الإنسان الشخصية وعدم التدخل فيها أمر ثابت بل خط أحمر لا يمكن لأي أحد أن يتخطاه. ابتلينا في مجتمعنا بأوصياء (يطبقون المقولة "خالف تعرف") لا بد من الاستئذان منهم في كل عمل أو تصرف نقوم به؟!الدين الإسلامي دين يسر ودين وسطي لا يقبل التطرف في أي اتجاه. أنزله الله سبحانه وتعالى لكي ينظم الحياة البشرية على وجه هذه البسيطة ،ولم يأت لكي يعقد حياة الناس. تم تشويه الإسلام بل وتكريه الناس به ليس فحسب بين المسلمين بل بين غير المسلمين الذي بسبب هؤلاء ،الذين تشبعوا بالفهم الخاطئ للدين ،جعلت الآخرين يفكرون أكثر من مرة قبل الدخول في الإسلام. علماء مسلمون في مصر ،الذي فيه الأزهر الشريف ، والذين تتلمذ على أيديهم معظم أهل العلم الشرعي الصحيح،وفي ماليزيا وتركيا وباكستان واندونيسيا وغيرها من البلدان الأخرى ينصفون ويعطون المرأة حقوقها. لا يتدخلون في أمور جدلية لم تجمع عليها المذاهب الإسلامية. نخلص إلى القول بأن احترام أهل الرأي وأصحاب وجهات النظر وتقبلهم بسلبهم وإيجابهم هي التي تمنع التطرف في كل اتجاه، وتخلق الانسجام بين شرائح المجتمع.
مشاركة :