التأهيل العلمي والنفسي للاعبين والإداريين والحكام والأسرة هي حلول وضعها أكاديميون ورياضيون لمواجهة ظاهرة العنف المنتشرة في الملاعب الكويتية، وتحديدا في بطولات المراحل السنية للشباب والناشئين والأشبال والبراعم، والتي انتشرت منذ فترة طويلة ومازالت مستمرة. استكمالا لما نشرته "الجريدة" في عددها الصادر أمس تحت عنوان "اعتداءات واحتجاجات في بطولات المراحل السنية"، تم استطلاع آراء بعض عناصر كرة القدم إلى جانب الرأي الخاص بعلم النفس، وذلك من أجل تلافي ظاهرة العنف في بطولات الصغار في المستقبل القريب من خلال مناقشة الأسباب ووضع حلول لهذه الظاهرة. وحيال ذلك، اختلفت آراء عناصر اللعبة، وإن اتفقت على وضع الحلول التي تمثلت في ضرورة تأهيل اللاعبين والإداريين والحكام بشأن هذا العنف، لاسيما بعد المشكلات التي تفجرت منذ سنوات طويلة ومازالت مستمرة، بينما جاء الرأي النفسي ليؤكد أن القضاء على هذه الظاهرة، التي وصفت بالعالمية، مسؤولية الجميع ابتداء من الأسرة ووسائل الإعلام والمؤسسات الرياضية ومؤسسات الدولة. حمزة: اللاعب أقوى من الإداري في البداية، أكد قاسم حمزة مدرب اللياقة البدنية للحكام باتحاد كرة القدم أنه للأسف الشديد هناك من يبحث عن تحقيق البطولات والنتائج على حساب الجوانب الأخرى، مضيفا أنه من المفترض أنه يتم إعلاء الجوانب التربوية على النتائج والبطولات، خصوصا إذا كانت الرغبة هي تنشئة أجيال رياضية سواء في الكرة أو غيرها من اللعبات. وأشار حمزة إلى أن الاهتمام فقط بالنتائج والبطولات في المراحل السنية يلقي بآثاره السلبية على اللاعبين نفسيا، لذلك من البديهي أن تشهد مشكلات عديدة في البطولات بسبب الضغوط النفسية التي يتعرضون لها، مشددا على ضرورة تأهيل الإداريين علميا كي يتمكنوا من احتواء اللاعبين نفسيا والسيطرة عليهم بشكل تام في هذه السن الحرجة، وهو الأمر الذي يطبقه الاتحاد في الوقت الراهن حيث يعقد العديد من الدورات للإداريين للارتقاء بهم، وهذه الدورات سوف يكون لها نتائج سحرية في المستقبل القريب. وأبدى أسفه الشديد بأن يكون هناك لاعبون رغم سنهم الصغيرة أقوى نفسيا من الإداريين، حيث إن هناك إداريين يصدرون الضغوط للاعبين داخل البساط الأخضر، لذلك يتعين ضرورة فرض عقوبات متدرجة على مثل هؤلاء الإداريين تبدأ من توجيه إنذار لهم وتنهي بسحب رخصة العمل منهم التي اكتسبوها من الدورات السالفة الذكر. وأرجع حمزة العنف في مباريات المراحل السنية إلى أن اللاعبين غالبا ما يكونون زملاء في المراحل التعليمية المختلفة، لذلك فهناك نوع من التحدي بينهم يظهر بوضوح في المباريات، وهذا التحدي غالبا ما يصاحبه تصرفات غير مسؤولة تصل إلى العنف المتبادل، وهو الأمر الذي لا بد أن تتعامل معه مجالس إدارات الأندية، وكذلك الإداريون بشكل حاسم. العدواني: تدليل اللاعبين من جانبه، قال مدرب المنتخبات الوطنية (الشباب والناشئين والأشبال) ونادي التضامن السابق علي مهنا العدواني أن مجالس إدارات الأندية والأجهزة الإدارية تتعامل مع اللاعبين بنوع مبالغ فيه من التدليل، والذي يكون له آثار سلبية على تصرفات اللاعبين في المباريات، مضيفا أن اللاعب بهذه المعاملة يعتبر نفسه نجما كبيرا في عالم الساحرة المستديرة، وذلك نظرا لصغر سنه وقلة خبرته في الكرة بصفة خاصة والحياة بصفة عامة، لذلك من البديهي أن يتصرف بنوع من التعالي مع الحكام واللاعبين المنافسين، وهذا التعالي غالبا ما يتسبب في "هوشة" يتبادل فيها الجميع الضرب بكل صنوفه! وبيَّن العدواني أن هذا التعامل الذي تغيب عنه الشدة والحزم وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب يتسبب في تمرد اللاعب، وهو يجعله يتصرف بشكل غير مسؤول على الإطلاق، مشيرا إلى أن المدرب لا يستطيع أن يصلح ما أفسدته مجالس إدارات الأندية والإداريين، لاسيما أنه مختص بالنواحي الفنية ومهمته تجهيز اللاعبين فنيا وبدنيا، بينما مهمة تجهيزه نفسيا هي مهمة الجهاز الإداري ومجالس الإدارات في المقام الأول. وطالب العدواني منظومة كرة القدم بصفة خاصة والرياضة بصفة عامة بضرورة تأهيل الإداريين والتعامل مع اللاعبين الصغار، بعيدا عن التدليل ومنحه أكبر من حجمه، وتغليظ العقوبات على الإداريين في حال احتجاجهم على قرارات الحكام، خصوصا أنهم ينقلون عصبيتهم من خارج الخطوط إلى داخل المستطيل الأخضر. دابس: لا للتجريب أما مساعد مدير الكرة بنادي التضامن، فهد دابس، فيرى أنه لابد أن يدير مباريات المراحل السنية حكام من أصحاب الخبرة، الذين يتمتعون بأسلوب جيد في التعامل مع لاعبين في سن المراهقة، رافضا تماما أن تكون بطولات المراحل السنية حقلا للتجارب. وشدد على أن هذه المراحل السنية من الصعوبة بمكان أن يتمكن اللاعبون من السيطرة على تصرفاتهم وعصبيتهم وسلوكهم، لذلك فإسناد المباراة إلى حكام من أصحاب الخبرة يجعلهم يتخذون القرارات أيا كانت قسوتها، وفي الوقت نفسه يسيطرون على هؤلاء اللاعبين غير الناضجين، موضحا أنه في حال كان الحكم مؤهلا وصاحب خبرة ويجيد التعامل النفسي مع اللاعبين، فإنهم (أي اللاعبين) سيتقبلون القرارات بصدر رحب للغاية ومن دون نقاش. وتابع: "لعبت في المراحل السنية المختلفة مع نادي التضامن، وكان يتولى إدارة المباريات حكام مؤهلون نفسيا وقانونيا، وكانوا يفرضون سيطرتهم وهيبتهم على كل من في الملعب، ولم نكن نحتج على قراراتهم من خلال تعاملهم الراقي معنا، وهو الأمر الذي كان يجبرنا على احترامهم وطاعتهم". الحويلة: تثقيف الآباء من جهتها، أشارت رئيسة مركز الأسرة للاستشارات النفسية والاجتماعية، أستاذة علم النفس بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت، د. أمثال الحويلة، إلى أن العنف ظاهرة عالمية توجد في كل مناحي الحياة، سواء في المنزل أو الشارع والمؤسسات التعليمية، ومع الأسف توجد أيضا في أماكن من المفترض أنها أماكن استمتاع وترفيه في مقدمتها الملاعب. وأضافت أن أسباب هذه الظاهرة تتمثل في وصول الطفل إلى مرحلة المراهقة، التي يبحث خلالها عن تكوين الهوية واستقلال الذات والاعتماد على النفس، وأحيانا التنشئة الاجتماعية قد تكون أحد الأسباب المباشرة للعنف، لاسيما أن المجتمعات الخليجية والعربية ترى أن العنف أحد مظاهر الرجولة، سواء الموجه للجنس الآخر أو لنفس الجنس والثقافة العربية تروج لهذا العنف من أجل إثبات رجولة الطفل. وتؤكد الحويلة أن التنشئة الاجتماعية الصحيحة بضرورة تعليم الطفل وتثقيفه على تقبل الرأي الآخر حتى وإن اختلف مع رأيه، موضحة أن هذه التنشئة الصحيحة تقع على كاهل كل مؤسسات الدولة، على أن تكون البداية من الأسرة مرورا بالمؤسسات التعليمية في مراحلها المختلفة، وصولا إلى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية التي يجب عليها أن تركز على الاعتدال والتسامح وتقبل الآخر والتعايش معه، فأحيانا يشاهد الطفل العديد من أنواع العنف، سواء في أفلام الرسوم المتحركة وحتى الألعاب، ومع الأسف الشديد يتأثر الطفل بما يراه وينعكس عليه في الملاعب. دورات تدريب وترى الحويلة أن الحل يبدأ من داخل المنازل، وذلك تأهيل الآباء والأمهات علميا من خلال الخضوع لدورات تدريب، أو عن طريق وسائل الإعلام لحثهم على كيفية التعامل مع الطفل بشكل صحيح وسليم من أجل إبعاده عن كل مظاهر العنف، مشيرة إلا أن هناك قانونا لحماية الطفل تم إقراره من عدة سنوات في الكويت، ويعمل به من خلال المجلس الأعلى للأسرة. واختتمت الحويلة قائلة: "يتعين على المؤسسات الرياضية تفعيل القانون وفرض عقوبات رادعة لكل من يأتي بسلوك عنيف داخل هذه المؤسسات، ومع الأسف الشديد قد يكون القائمون على الرياضية هم من يشجعون على هذه السلوكيات، التي تبث روح العنف والحسد والحقد في نفوس الرياضيين، لذلك تأهيلهم أمر حتمي لا مفر منه، خصوصا أنه لا مبرر للعنف في الرياضة".
مشاركة :