الأثر الاجتماعي للتطرف الديني: الطبيبات المحجبات وحقوق المرضى بقلم: سعيد ناشيد

  • 5/15/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الأثر الاجتماعي للتطرف الديني: الطبيبات المحجبات وحقوق المرضىبصرف النظر عن الأبعاد السياسية المباشرة، فإن للتطرف الديني آثارا مجتمعية متعددة، تبدأ من العزلة واتخاذ موقف من الآخر يحدد دائما بمعايير دينية، وتصل إلى إرساء فهم مخصوص للحرية الدينية يغتال كل إمكانيات وشروط الشراكة الاجتماعية. العرب سعيد ناشيد [نُشر في 2017/05/15، العدد: 10633، ص(13)]جدل الحرية الدينية والواجب عند الحديث عن بعض الحقوق المكتسبة، من قبيل الحقوق الدينية، اللّغوية أو الجنسيّة أو السياسية، غالباً ما ننسى أو نتجاهل بعض الحقوق الطبيعية من قبيل الحق في الحياة والأمن والسّكن. بل لعلّ هذه الحقوق الطبيعية قد تضيع أحياناً في غمرة احتدام السجال حول الحقوق المكتسبة، ولا سيما عندما يتخذ السجال طابعاً هوياتيا أو لاهوتيا محتدماً. تنتمي الحقوق المكتسبة إلى الشرط الإنساني؛ فبعضها يخصّ النّوع البشريّ ويميزه، من قبيل الحق في الحياة، وبعضها يخصّ إنسان العالم الجديد (عالم الحداثة) ويميزه، وهو ثمرة مسار طويل من تطور الوعي الحقوقي، من قبيل حرية الضمير، حرية التعبير، حقوق الأقليات بكل أنواعها. غير أن هذه الحقوق المكتسبة لا يجب أن تلغي الحقوق الطبيعية، ولا يجب أن تقوم بدلها أو من دونها، وإلا لأمست مجرّد عامل من عوامل استلاب الوعي. وهذا ما يحدث في الحالات التي يتحول فيها المحرومون من الحقوق الطبيعية، إلى وقود لحروب الهويّة والانتماء. من ضمن أول المعطيات التي يتعلمها المرء، أنّ الحقوق تقابلها واجبات. ولا بدّ من تحقيق قدر من التّوازن بين هذه وتلك. وإذا كنّا نعاني اليوم من تضخم في الكلام عن الحقوق مقابل فقر مدقع في الكلام عن الواجبات فهذا بسبب الحرمان المتراكم منذ طفولتنا، إنسانيا وعاطفيا واجتماعيا. تقريباً فإننا نولد وننشأ بلا حقوق، بل لا نعرف سوى الأوامر الأبويّة، والواجبات المدرسيّة، والتكليفات الدينية.هناك حق طبيعي للإنسان في الحياة وهو أسمى الحقوق وأجلُّها، طالما كل شيء يمكن تعويضه إلا الحياة عموماً، يجب أن نتعلم كيف نوازن بين الحقوق والواجبات. لكن المعضلة هي حين تكون ثمّة حقوق مقابل حقوق، حقوق لنا مقابل حقوق للآخرين، حقوق لفئات معينة مقابل حقوق لفئات أخرى. المعضلة حين تتضارب تلك الحقوق في ما بينها، بحيث لا يمكننا التمتّع بحقوق معينة ما لم نكن مستعدين لتضييع حقوق أخرى، أو هدر حقوق أشخاص آخرين. بلا شك، في حالة تضارب الحقوق المكتسبة بنحو تستحيل فيه التسوية، يغدو الوضع في منتهى التّعقيد. لكن، خلاف ذلك، حين يتعارض حقّ مكتسب مع حق طبيعي بنحو تتعذر معه التسوية فإنّنا نستطيع أن نرجح الكفة لفائدة الحق الطبيعي. غير أننا نمتلك الآن حالة واقعيّة معبرة وقد أثارت الكثير من السجال: أثيرت في الآونة الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب ظاهرة وجود طبيبات من مختلف التخصصات محـجبات (وهذا ما يندرج ضمن الحقوق الشخصية ما لم يكن المقصود إخفاء الوجه بالكامل لدواع غير مهنية) يرفضن بدعوى الالتزام الديني فحص وعلاج مرضى من غير أبناء جنسهن. وككل مرة ثمة من يتذرع بالحريات الشخصية، أو الحقوق الدينية، أو احترام ممارسة الشخص للدين وفق تأويله الخاص للدين، أو ما إلى ذلك من دواع تتذرع بالقيم الليبرالية لكي تكرس الردة إلى قيم العصور الوسطى: بيت الطاعة، القوامة، العصمة، العورة، الحريم، الأمَة، الستار، الحجاب الفاصل بين الجنسين، إلخ. ثمّة أسلوب فعّال لاختبار معقولية أي فرضية: أن ندفع بها إلى أقصى حدودها الممكنة. غير أن أقصى الحدود هذه المرّة قد جاءتنا من حالة واقعية وليست افتراضية. حين ترفض طبيبة في أحد مستوصفات المغرب فحص طفل في الخامسة عشرة من عمره بدعوى أنه قد صار بالغاً، أو أنها اكتشفت بالصدفة بأن الفتى بالغ، فمعناه أنّ الوضع أصبح مثيراً للاشمئزاز بنحو يصعب تبريره. ولا بدّ من مراجعة للموقف بالكامل. يقال لكل حرية حدّ معين تقف عنده. وسيكون من باب المزايدة الزعم بأن الحرية الدينية لا تقف عند أي حد طالما هي مرتبطة بالدين. تقف حريتك عند حدود حرية الآخرين، وأيضا تقف حقوقك عند حدود حقوق الآخرين. ولا يمكن للحقوق المكتسبة -وهي خاضعة للتأويل الثقافي- أن تعطل الحقوق الطبيعية.ضمن أول المعطيات التي يتعلمها المرء، أنّ الحقوق تقابلها واجبات. ولا بدّ من تحقيق قدر من التّوازن بين هذه وتلك ذلك أن مظاهر الالتزام الديني قد تتغير من زمن إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر. وكمثال يعيدنا إلى صلب موضوعنا، فباستحضار السيرة النبوية، كانت الكثير من النساء المسلمات في حروب الرسول يتطوعن لتمريض الجرحى من الرجال بلا أدنى حرج. هناك حق طبيعي للإنسان في الحياة وهو أسمى الحقوق وأجلُّها، طالما كل شيء يمكن تعويضه إلا الحياة. وهناك حقوق طبيعية للمرضى في العلاج والشفاء. وتكتسي هذه الحقوق الطبيعية سلطة تعلو على رؤية الطبيب للدين والعقيدة والهوية، والتي هي محض تأويلات ثقافية تتغير بتغيّر أحوالها. بلا شك يحقّ للمريضة أن تختار طبيبة من نفس جنسها لكي تفحصها أو تعالجها. من حق المريض أن يختار طبيبا من نفس جنسه لكي يفحصه أو يعالجه. هذا حقّ مطلق للمريض وله وحده الحرية في اختياراته كيفما كان أساسها -أساس قد لا يكون مهنيا على الأرجح- لكنها تقع ضمن حقوق المريض. إنما ليس من حق أي طبيبة أن ترفض فحص أو علاج مريض بدعوى أنه ليس من نفس جنسها، وليس من حق أي طبيب أن يرفض فحص أو علاج مريضة بدعوى أنها ليست من نفس جنسه. هنا يجب أن يتدخّل القانون. الطب مهنة إنقاذ الحياة. ومن ينقذ الحياة لا يجب إن يشترط هوية من سينقذهم، سواء تعلق الأمر بالهوية الدينية، أو العرقية، أو الوطنية، أو الجنسيّة. الطبّ مهنة إنقاذ حياة الإنسان من حيث هو إنسان. وعندما يتعلق الأمر بإنقاذ حياة الإنسان تصبح الهوية الدينية أو العرقية أو الجنسية خارج المعادلة. لأجل ذلك وُجد قَسم أبقراط الذي -ويا للأسف- يعتبره البعض قسما دخيلاً يجوز الحنث به.

مشاركة :