راضي محمد جودة يؤكد أن تاريخ السويس يعود إلى العصر الفرعوني، وأنها استعادت مكانتها مع طرح مشروع لشق قناة تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط خلال الحملة الفرنسية. العرب [نُشر في 2017/05/18، العدد: 10636، ص(15)]نشأة السويس نتيجة صراع بين عامل البيئة الطبيعية والموقع الجغرافي القاهرة - مدينة السويس واحدة من أهم المدن في مصر، ومن أعرقها وأثراها ثقافةً وتقاليد، وهي أحد الثغور التي ظلت هدفًا للغزاة والمحتلين على مدى الزمان. وقد صدر عن المجلس الأعلى للثقافة بمصر كتاب جديد بعنوان "السويس مدينة التاريخ" للدكتور راضي محمد جودة، الباحث بدار الوثائق القومية. ويقول المؤلف إن مدينة السويس شهدت عصر الرأسمالية الأوروبية بمرحلتيه التجارية والصناعية، وتأثرت بالعصرين سلبًا وإيجابًا، حيث أصيبت المدنية وحركتها التجارية بكبوة مع نجاح الرأسمالية التجارية الأوروبية في اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، وانتهاء أزهى عصورها التجارية في العصر المملوكي. ويضيف أن السويس استعادت مكانتها بعد طول انتظار مع مطلع القرن التاسع عشر، مع طرح مشروع لشق قناة تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط في فترة الحملة الفرنسية، ونجاح محمد علي باشا في إعادة الحياة إلى طريق التجارة بين الشرق والغرب عبر الأراضي المصرية، حتى أن سفن شركة الهند الشرقية الإنكليزية بدأت في تنظيم رحلات بين الهند والسويس لنقل السلع والمسافرين بين منطقة المحيط الهندي وأوروبا عبر الأراضي المصرية، لا سيما بعد أن وفَّر محمد علي الحماية على الطريق الصحراوية التي كانت تربط السويس بالقاهرة. ويشير إلى أن مدينة السويس لها تاريخ عريق، بدأ مع العصر الفرعوني، فقد كانت تسمّى في عهد الأسرتين الخامسة والسادسة من الدول القديمة (2563 ق.م) “سيكوت”، وأصبحت الثغر والمخزن التجاري، بالإضافة إلى كونها سورَ مصر الشرقي. وعندما أصبحت عاصمة للإقليم الثامن من أقاليم الوجه البحري، إبان حكم الأسرتين التاسعة عشرة والثانية والعشرين، أُطلق عليها اسم “بيثوم”، وكان موقعها في تلك الفترة قرب “تل رطابة” بجوار القصاصين (محافظة الشرقية حاليّا). ويستطرد المؤلف بقوله إن السويس عُرفت في العصر البطلمي بـ"أرسينوي"، وهي المدينة التي أنشأها بطليموس الثاني إجلالًا لأخته وزوجته أرسينوي الثانية التي قامت بدور كبير في توجيه سياسة الدولة، وربما كانت "أرسينوي" تقع حيث توجد في الوقت الحاضر قريةُ "عجرود" الواقعة شمالي السويس ببضعة كيلومترات. ويؤكد الباحث أن المدينة أُطلق عليها "كليوبترا" في أواخر عصر البطالمة، نسبة إلى الملكة المشهورة التي كانت آخر مَن حكم مصر من أسرة البطالمة (51-30 ق.م), ولكن التسمية الجديدة لم تلبث أن زالت واستعادت المدينة اسمها القديم. أما في العصر الروماني فقد أُطلق عليها اسم “هيرو- أون”، ومعناها مدينة الأبطال، وفي فترة لاحقة من ذلك العصر أُطلق عليها “كلسيما” أو “كليزما” أو “قلزوما”. ثم جاء العرب وحرّفوه إلى “القُلزم”، واتضح من النصوص الرومانية أن “قلزوما” تمتعت في العصر الروماني بالأهمية التي تمتعت بها “أرسينوي” في العصر اليوناني، ووردت أول إشارة إليها حوالي عام 170 م. وفي القرن التاسع للميلاد، أصدر خماروية بن أحمد بن طولون (884-895 م) أمره بإلغاء الأسماء القديمة، وأطلق اسم “السويس” على “القلزم”، وفي القرن العاشر أنشأ الفاطميون قرية صغيرة جنوبي مدينة القلزم أُطلق عليها “السويس” ، وما إن جاء القرن الثالث عشر حتى كانت قرية السويس قد طغت على القُلزم، وحلت محلها على شاطئ خليج السويس عند آخر نقطة وصل إليها البحر في انحساره، وأطلق اسمها على الخليج الذي تقع على طرفه. ويتحدث المؤلف عن المنشآت الدينية في مدينة السويس، مثل مسجد الشيخ عبدالله الغريب، ومسجد الشوام، ومسجد جعفر بك، ومسجد المعرف، ومسجد السلطان سليمان الخاسكي، وجامع العريش. كما يستعرض أهم الأنشطة والحرف بالمدينة. ويقول إن الاجتهادات اختلفت حول أصل تسمية المدينة، منها أنها سُميت كذلك لظهور السوس فيها. ومنها أن اسم المدينة مشتق من اسم ملك مصر إبان حكم الأسرتين التاسعة عشرة والثانية والعشرين، الذي كان يدعى “يو-سوتيس” أو “يوسفاليس” ، والذي كان قد اتخذها قاعدةً لعملياته الحربية، لتأمين مناجم سيناء وردع الغزاة. ويبيّن أن هناك من يرجّح أن السويس نشأت نشأة صناعية، فهي بذلك تمثل الصراع بين العوامل الطبيعية والبشرية، لأنها لم تنشأ بفعل عوامل البيئة الطبيعية، كما نشأت غيرها من المدن المصرية في البيئة الزراعية الخصبة، التي كوّنها نهر النيل مثلًا، وإنما نشأت بفعل العوامل البشرية، بالرغم من قسوة البيئة المحيطة بها. وتطورت نتيجة للعوامل نفسها، فقد كانت حياتها نتيجة الصراع الدائم بين عامل البيئة الطبيعية القاحلة التي تحيط بها، وبين موقعها الجغرافي، الذي هيأ لها الصلات التجارية العالمية.
مشاركة :