ستوكهولم/لندن - حقق جوليان اسانغ الجمعة انتصارا في معركته مع القضاء السويدي الذي تخلى عن ملاحقته بتهمة الاغتصاب، حتى لو كان يتعين على مؤسس موقع ويكيلكس اللاجئ في إحدى السفارات بلندن التحلي بالصبر لاستعادة حرية تحركه. وحتى في حال عدم صدور مذكرة توقيف أوروبية، نبهت الشرطة البريطانية إلى أنها ستكون "مضطرة" لتوقيف اسانغ إذا خرج من سفارة الاكوادور في لندن بسبب انتهاكه العام 2012 شروط الافراج عنه بكفالة في المملكة المتحدة. وفي ما يتعلق بالجانب السويدي، انتهت قضية اسانغ بفشل قضائي ذريع. انها نهاية معركة شرسة تتخطى رهاناتها بأشواط اطار هذه القضية المرفوعة في ستوكهولم. وينتقد اسانغ الاسترالي الذي ينفي دائما تهمة الاغتصاب، مناورة لتسليمه إلى الولايات المتحدة حيث يمكن أن يتعرض للملاحقة بتهم نشر وثائق عسكرية ودبلوماسية سرية. وأكدت حكومة دونالد ترامب في أبريل/نيسان أن توقيفه "أولوية". وتقول وسائل اعلام نقلا عن مسؤولين أميركيين إن واشنطن تقوم بإعداد ملف الاتهام. وأمام الصحافة في ستوكهولم، أعلنت المدعية العامة ماريان ناي أنها "قررت حفظ الدعوى ضد جوليان اسانغ بتهمة الاغتصاب المفترض"، وطلبت رفع مذكرة التوقيف الأوروبية التي تحاول منذ 2010 إلغاءها. انتصار شامل وبعد ثلاث سنوات على تقادم الدعوى، أوضحت المدعية أنها قررت حفظها بسبب عدم فعالية اجراءات طويلة جدا وليس في ضوء وقائع جديدة. وأضافت أن "كل الفرص قد استنفدت للمضي قدما في التحقيق ولم يعد يبدو ملائما الاحتفاظ بطلب الاعتقال المؤقت لجوليان اسانغ أو بمذكرة التوقيف الأوروبية". وفي فبراير/شباط 2016، انتقدت مجموعة عمل للأمم المتحدة بطء التحقيق ودعت السويد والمملكة المتحدة إلى "التعويض على اسانغ عن توقيفه الاعتباطي". ورأت المدعية ناي أنه من غير المحتمل "تسليم أسانغ إلى السويد في مستقبل قريب"، مضيفة أن التخلي عن الملاحقات "ليس نتيجة مراجعة شاملة لعناصر الأدلة" وأن القضاء السويدي "لا يعلق على مسألة الجرم". وأعرب المحامي السويدي عن اسانغ، بير صامويلسون عن ارتياحه بالقول "هذا انتصار شامل لجوليان اسانغ. إنه حر في مغادرة السفارة عندما يشاء". وأضاف لإذاعة اس.ار السويدية "إنه بالتأكيد سعيد ويشعر بالارتياح، لكنه ينتقد الفترة الطويلة جدا التي استغرقتها المسألة". وقال هذا المحامي إن أسانغ كتب له رسالة يقول فيها "فعلا، الأمر خطير يا الهي". وبث أسانغ على تويتر صورة يبتسم فيها وكان عدد كبير من الصحافيين ينتظرونه في الشارع الجمعة. وأعلن كريستوف مارشان، عضو الفريق القانوني لاسانغ في بروكسل، أن "جوليان اسانغ وقع ضحية تجاوزات" وأن تخلي السويد عن التحقيقات "يشكل نهاية كابوسه". تقادم الدعوى لكن التهديد باعتقاله يقلل من حماسة المحيطين به. وكتبت ويكيليكس في تغريدة أن "بريطانيا تعلن أنها ستوقف اسانغ مهما حصل وترفض أن تؤكد أو تنفي تسلم طلب لتسليمه إلى الولايات المتحدة". وفي ستوكهولم، أكدت محامية السويدية التي تتهم اسانغ باغتصابها أن تخلي السويد عن ملاحقته "فضيحة"، مؤكدة أن موكلتها "صدمت" بالقرار. وقالت اليزابيث فريتز في رسالة الكترونية "إنها فضيحة أن يتمكن متهم بالاغتصاب من الافلات من القضاء ويتجنب المحاكم. موكلتي صدمت ولا يمكن لأي قرار بإسقاط القضية تغيير واقع أن اسانغ اغتصبها". وقدمت المدعية التي كانت في الثلاثين من العمر عند وقوع الحادثة، شكوى في 20 اغسطس/اب 2010 ضد اسانغ الذي التقته في مؤتمر لويكيليكس في ستوكهولم قبل أيام. وتتهمه بإقامة علاقة جنسية من دون استخدام واق ذكري بينما كانت تغط في النوم ليل 16-17 اغسطس/اب. ويؤكد اسانغ أنها كانت راغبة في ذلك ووافقت على ألا يستخدم الواقي. وقد طال كثيرا التحقيق السويدي الذي أخره رفض اسانغ الاستماع إليه في السويد، حتى أن دعوى من امرأة اخرى بتهمة الاعتداء الجنسي في الفترة نفسها، قد صنفت وسقطت العام 2015 بموجب قانون التقادم. كانت الاكوادور التي منحت اسانغ اللجوء، انتقدت قبل أسبوع في رسالة إلى الحكومة السويدية "عدم حصول تقدم" في التحقيق. الاكوادور ترحب ورحبت الاكوادور الجمعة بقرار القضاء السويدي التخلي عن ملاحقة مؤسس موقع ويكيليكس ودعت بريطانيا إلى "تأمين خروج آمن" له من المملكة المتحدة. وقال وزير الخارجية الاكوادوري غيوم لونغ في تغريدة على تويتر إن "مذكرة التوقيف الأوروبية لم تعد صالحة. على المملكة المتحدة تأمين خروج آمن لجوليان اسانغ" اللاجئ منذ خمس سنوات في سفارة الاكوادور في لندن. لكن اسانغ الذي يرى فيه مؤيدوه بطلا مدافعا عن الحريات، يرى فيه معارضوه رجلا مصابا بجنون العظمة يبحث عن الاهتمام، اكتسب شهرة في العالم بنشره وثائق دفاعية سرية حولته إلى "عدو" مطارد من قبل الولايات المتحدة. وسيتمكن من استعادة حريته بعيد اطلاق سراح تشيلسي مانينغ أحد مصادر وثائقه التي غادرت السجن الاربعاء. وكان هذا الشاب المتحول جنسيا سرب في 2010 أكثر من 700 ألف وثيقة سرية متعلقة بحربي العراق وأفغانستان بينها أكثر من 250 ألف برقية دبلوماسية أربكت الولايات المتحدة. وحول نشر هذه الوثائق اسانغ الذي أسس موقع ويكيليكس في 2006، إلى رجل مطارد من قبل الولايات المتحدة بينما رأى فيه المدافعون عنه بطل حركة عالمية للشفافية والديمقراطية. ومع اكتسابه هذه الشهرة، أصبح أسانغ يوصف بأنه عبقري في المعلوماتية ومخلص مدافع عن الحريات. لكن الانتقادات غلبت بسرعة، فالاتهامات بالاغتصاب والاعتداء الجنسي في السويد دفعته إلى اللجوء إلى سفارة الاكوادور في لندن في 19 يونيو/حزيران 2012 واضرت بصورته. ويصفه أصدقاء ومساعدون قدامى بأنه شخصية نرجسية مصابة بالهوس. وفي 2010، بدأ الناطق باسم ويكيليكس دانيال دومشايت-برغ يبتعد من الأضواء وتحول كتاب ينتقده إلى عدة أفلام. أما اندرو او هاغان الذي كلف كتابة سيرة لأسانغ، فقد أصدر الحكم التالي "الرجل الذي يتباهى بكشف أسرار عالم لا يحتمل أسراره". تابع لروسيا؟ ومنذ ذلك الحين بدأ نجم اسانغ بالأفول، فمعظم وسائل الاعلام التي دعمته بنشر ما يكشفه ابتعدت عنه. وقد غير محاميه عدة مرات واختلف مع ناشر كتبه. ولم يبق من أوفياء له سوى قلة من بينهم بعض المشاهير مثل الليدي غاغا وباميلا اندرسن، لكنه واصل مع ذلك معركته خصوصا عندما أعلن دعمه لادوارد سنودن أحد المرشحين "لخلافة" اسانغ. ومؤخرا، اتهم بأنه تابع لروسيا لتأثيره على انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. وفي يوليو/تموز نشر ويكيليكس عشرين ألف رسالة الكترونية قرصنها من الحزب الديمقراطي، وألحقت ضررا كبيرا بحملة هيلاري كلينتون. والسنوات الخمس التي قضاها في غرفة متواضعة في سفارة الاكوادور في لندن، تتناقض مع أسلوب حياته في لندن عندما كان يتجنب النوم لأكثر من ليلة واحدة في السرير نفسه. واسانغ من مواليد 1971 في مانييتيك ايلاند شمال شرق استراليا، لكنه يرفض أن يذكر أي تفاصيل. وقد أمضى طفولته متنقلا من مكان لآخر بحسب رغبات والدته كريستين آن اسانغ الفنانة التي انفصلت عن والده حتى قبل ولادته. وحتى سن الخامسة عشرة عاش في أكثر من ثلاثين مدينة استرالية وتنقل من مدرسة إلى أخرى قبل أن يحط في ملبورن حيث درس الرياضيات والفيزياء والمعلوماتية. وبما أنه موهوب ويعمل بجد، استماله القراصنة وبدأ يخترق المواقع الالكترونية لوكالة الفضاء الأميركية (سانا) أو وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، مستخدما الاسم المستعار "مينداكس". وخلال هذه الفترة رزق بصبي اسمه دانيال اختلف على حضانته مع والدته. وعندما اطلق ويكيليكس بهدف تحرير الصحافة وكشف أسرار وتجاوزات الدولة، أصبح بحسب أحد كتاب سيرته "أخطر رجل في العالم".
مشاركة :