حوار: فهد العديم 2017/05/18 الناقد الشاب المختلف رعد الشمري، واختلافه ليس فقط كسره للسائد، حيث كان لقب ناقد مرتبطاً بالأكاديميين الذين لاكتهم وعركتهم الحياة، لكنه رغم عدم تفرغه لفت الكثير من الأنظار بوعيه وعمقه من خلال مدونته، أو ومضاته النقدية العميقة في وسائل التواصل الاجتماعي، في هذا الحوار فتح قلبه قبل إيميله لليمامة ربما المفارقة أن يُقدم طالباً كناقد، وهذا ليس رهاناً، فالفكر لا يدخل في خانة الرهانات، اقرؤوا الناقد طالب الدراسات العليا فها هو على مرمي أسئلة من ذائقتكم: * كيف ترى الحراك الفكري والثقافي في المملكة ولاسيما أنت تراه من الخارج كونك تقيم خارج المملكة؟ - الساحة الثقافية السعودية في الحقيقة ساحة نشطة، ومجرد النظر إلى اتساع رقعة الاهتمامات الثقافية والمعرفية بين فئات الشباب السعودي يؤكد لنا حالة النشاط هذه، هناك جوانب ازدهار عديدة يمكن الحديث عنها مثل التطور النوعي للرواية السعودية وبروزها عربياً وبروز أسماء جديدة ومهمة على الساحة الشعرية، كما يمكننا كذلك الحديث عن ظهور جيل جديد مهتم بالترجمة ومنفتح على عوالم ثقافية وفكرية جديدة، وهذه النزعة في الانفتاح على عوالم فكرية جديدة يمكن ملاحظتها حتى في الجيل الجديد من التيار المحافظ، مع كل هذا التقدم الذي تحقق، أظن أن ساحتنا الثقافية ينتظر منها دور أكبر في إنتاج المعرفة يوازي هذه الحالة المبهجة من استيراد المعرفة والاهتمام بها. * قلت: (إن كان يصح لنا أن نتابع المنتج النقدي الغربي في صناعتنا الأدبية، فلنتابعهم بكل نوع أدبي إلا الشعر)، لماذا استثنيت الشعر؟ - أنا أفهم الفنون عموماً على أنها النتاج الرمزي الذي يحمل روحاً هي روح الأمة المبدعة، واستثنائي للشعر في ذلك السياق كان باعتبار أنه أبرز وأهم فن لغوي عرفه العرب وسكبوا فيه روحهم العربية، وأي متابعة لثقافة أخرى في مفهومها للشعر بما ينتج عنه إهدار لهذه الروح الفنية هي بالضرورة فعل مضاد للفن بما هو تجسيد لهذه الروح. وبالنسبة لي فإن روح الشعر العربي هي سماعيته، وعليه فإن القصيدة العربية أكثر من مجرد نص، هي حالة مسرحية وليست نصاً فقط، وإهدار سماعيتها ضربٌ لروح الشعر العربي الفنية. وأزعم أنه يمكننا أن نرى نتيجة ذلك في اتساع الهوة بين بعض المشاريع الشعرية الحداثية التي أهدرت السماعية وبين عموم قراء الشعر، تلك الهوة التي نجمت عن فشل هذا الخط الشعري فنياً في تمثل روح ووجدان المتلقي العربي، الأمر الآخر هو أنني لا أؤمن بعولمة الفنون، بل إني أرى أنه كلما زادت ذاتية العمل الفني الثقافية ازداد قرباً من الكونية، وبين الكونية والعولمة بون شاسع كما تعرفون. * (شعراء الحداثة رفعوا من قيمة الشعر والشاعر في الثقافة العربية)، كيف تبرر هذه القسوة للقارئ الذي شكّل وجدانه الشعر ماقبل مرحلة الحداثة؟ - حديثي هذا كان عن قيمة الشعر من حيث غاياته وموضوعاته لا من حيث خصائصه الفنية، ولا أظن القراء الذين شكل الشعر التقليدي وجدانهم – وأنا منهم بالطبع كما اتضح من الإجابة السابقة - سيصدمون حين يقال لهم إن الشعر العربي عبر القرون اتُخذ وسيلة للتكسب لا يرتدع الشاعر وهو يستخدمها عن الكذب والنفاق، بل ربما لم ير مشكلة أخلاقية في مثل هذه الممارسة لأنه يعرف أنه يحق للشاعر ما لا يحق لغيره، مع الحداثة تغير الوضع، صار الشاعر معدوداً في المثقفين، وصار ينتظر منه أن يحمل في شعره رسالية المثقف وطليعيته، فتحول الشعر إلى أداة تعبير ثقافية لا تقبل الظهور المبتذل كما في الماضي، والجانب المهم في هذا التحول هو أنه لا يرجع إلى آحاد الشعراء والتزامهم، بل يرجع إلى بنية المشروع الشعري نفسه وتصوره لدور الشعر باعتباره منتجاً ثقافياً، لا سلعة يمكن أن تشترى. * سخرت من هوسنا بالمصطلحات، وآخرها تهديدك (بحظر) من يستخدم مصطلح (تنمر)، ما سر تحفظك على ذلك؟ وألا تعتبر تهديدك بالحظر تنمراً أيضاً؟ - التهديد بالحظر كان في سياق الممازحة طبعاً، ولكنها ممازحة أردت من خلالها لفت النظر إلى قدرة وسيلة تواصل كتويتر على فرض حالة من التنميط اللغوي على مستخدميها، فمصطلح تنمر مثلًا ظهر بشكل مفاجئ وأصبح في فترة قياسية من أكثر المصطلحات استخداماً في تويتر، وكنت دائماً ألاحظ التشابه اللغوي بين أصحاب التوجه الفكري الواحد، وهو تشابه لا في المصطلحات الفنية التي تقوم عليها منظومة فكرية أو علمية معينة، إنما تشابه في أنماط ومفردات التعبير العادي، وهذا ناتج بالطبع عن حالة التفاعل اللصيق التي يخلقها تويتر بين المغردين خصوصاً بين أولئك المتشابهين فكرياً وذوقياً، الأمر الذي ينبئ عن شكل من أشكال النمطية تخضعنا له وسائل التواصل الاجتماعي. * هجوت (أدب الخيال العلمي) منحازاً للواقعية الأدبية، ألا ترى أنك إقصائي لكل مالا يتوافق مع ذائقتك؟ - أظن أن الذائقة إقصائية بطبعها، وما دام الحكم ذوقياً فالحديث عما نحب ونكره أمر فيه سعة، المهم أن لا ننتقض الآخرين في ذائقتهم حين نجدهم يحبون أشياء لا نحبها نحن، أما هجائي لأدب الخيال العلمي كان محض تعبير عن عدم استمتاعي بهذا الضرب من الكتابة، أحب الواقعية كثيراً وأجدني ميالاً لها لا في الأدب وحده، بل حتى في الأفلام السينمائية، وربما كان السبب ما قاله جورج لوكاش عن ارتباط الواقعية الأدبية بالثورة، الثورة هنا على الأقل بالمعنى الفردي لعدم رضا الإنسان عن واقعه المعاش، وهو الأمر الذي يورث في هذا الفرد مزيداً من الحساسية تجاه واقعه ومزيداً من الاشتباك معه. * بحكم تخصصك، كيف ترى الحركة النقدية في المملكة الآن؟ وهل فعلاً النقد الأدبي مات وأفسح المكان للنقد الثقافي كما يرى نقّاد كالغذامي مثلًا؟ - الحقيقة أنه ليس لدي اطلاع كافٍ على الحركة النقدية في المملكة بحكم انشغالي في الدراسة، لذا لا أملك إجابة عن الشق الأول من السؤال، أما فيما يخص أطروحة الغذامي فإني أظن فعلاً أن لحظتنا الحالية ينبغي أن تكون لحظة النقد الثقافي، لكن لدي شكوك حول قدرة المشهد الثقافي العربي على النهوض بمشروع النقد الثقافي بالشكل المطلوب، فالنقد الثقافي نقد آيديولوجي بطبعه، وفي مشهد عام يعاني من فرط الأدلجة ويعج بكثير من الخطوط الحمراء تبدو الأمور محفوفة بكثير من المخاطر. على الجانب الآخر، أنا لا تعجبني حقيقة إعلانات الموت والتأبين حينما يتعلق الأمر بالأفكار، ولنتذكر أنه بعد عقدين فقط من إعلان رولان بارت مؤت المؤلف ظهر تيار التاريخية الجديدة في الدراسات النقدية الغربية، أما النقد الجمالي فأعتقد أنه ما زال لديه ما يقدمه خصوصاً في السياق الأدبي العربي الذي ما زال للجمالي فيه حضور بارز، وأن إقصاءه إهدارٌ لأدبية الأدب نفسه، وجدير بالذكر هنا أن مشهداً نقدياً نشأت فيه وهيمنت عليه تيارات النقد الثقافي لمدة طويلة كالمشهد الأمريكي يشهد الآن بوادر عودة للنقد الجمالي، وأنا أنقل هذا القول عن أستاذنا الأمريكي بول ترمباث الذي درسنا النظرية. * المناشط الثقافية والأدبية في الأندية الأدبية والصوالين الأهلية تُقابل بفتور وعدم رضا من المهتمين، برأيك كيف يمكن تطويرها لترتقي وتمثل حراكاً حقيقياً؟ - على مستوى الأندية الأدبية، أظن أنه ينبغي تفعيل الشراكة بينها وبين الجامعات بشكل أكبر للمساهمة في إثراء المناشط الثقافية المحلية، لدينا الآن جامعات أو فروع جامعات في أغلب المدن، ويمكن من خلالها توسيع دائرة التفاعل الثقافي بالعمل على إدماج الطلبة في هذا التفاعل. الأمر الآخر هو ضرورة التركيز على خلق أنشطة ثقافية تفاعلية تقوم على إشراك المهتمين من الدائرة المحلية البسيطة، بدل التركيز جل الوقت على دعوة أسماء من الخارج، هذه الإشكالية تتجلى بشكل كبير لدى الأندية الأدبية في المدن الصغيرة.
مشاركة :