ثقافة التسامح وبناء الدولة: الإمارات.. قدوة

  • 5/20/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

د. ناجي صادق شرابتقول الأسطورة السنسكريتية: الشجرة لا تحجب ظلها حتى عن الحطاب. وهو الشخص الذي يقوم بقطع الشجر. وحكمة الأسطورة؛ أن الشجر الكبير قد يمنع أشعة الشمس عن الشجر الصغير فيموت، ولكن قانون الفطرة في كل الكائنات الإنسانية والحيوانية والنباتية يقوم على التعايش، وألا ينعدم السبب والغاية من الحياة. وفي حياة البشر أساس الحياة بما تعنيه من التكامل والبناء والإعمار، والحفاظ على الجنس البشري من كل أسباب ومسببات القتل والعنف والكراهية والحقد والحروب، كما نرى الآن كيف أن العالم كله ومن دون استثناء يواجه تحديات التطرف والتشدد وعمليات القتل التي لا مبرر لها في قوانين الكائنات التي خلقها الله لتعمر وتبني وتؤسس للحياة المشتركة، التي تقوم على الإنسانية الواحدة، والتي يولد منها مفهوم المواطنة الواحدة، وهو الهدف الذي من أجله سعى المفكرون والفلاسقة للبحث عن الحكم الذي يحقق الكرامة والعدالة الإنسانية. ومن هنا كان الوصول للحكم الرشيد الذي أساسه الإنسان دونما تمييز على أساس العرق واللون والجنس والمذهب والعقيدة. كل الناس سواسية في الخلق. فمفاضلة النظام الديمقراطي عن النظم الشمولية الاستبدادية المطلقة وأنظمة الحكم الأتوقراطية أن الأولى تقوم على أساس المواطنة الواحدة المتساوية في الحقوق والواجبات، وأساسها أن المواطن هو من يحكم نفسه عبر المؤسسات التمثيلية، أما الثانية فأساس الحكم فيها للحاكم وحاشيته المستفيدة، والثانية أساسها الجماعة، وفي كليهما لا وجود للمواطن الواحد، أو المساواة في الحقوق والواجبات، وأساسها التمايز على أساس العرق والمذهب والعقيدة، وعمر هذه النظم قصير لأنها تتعارض والفطرة البشرية السليمة. ومن هنا فإن صلاحية الحكم وبقائه يرتبط بقربه من تجسيد الفطرة الإنسانية الأولى، وأساسها يكمن على نظام حكم ما ديمقراطي أو رشيد. واليوم تطل علينا ظاهرة خطيرة تهدد البناء الديمقراطي، وتهدد المنظمات الدولية الإنسانية، بل وتهدد روح الإنسانية التي قامت على أساس العلاقة بين الشعوب وليس بين الدول، ومظاهرها كثيرة في صور الاعتماد المتبادل والحوار الحضاري والثقافي. هذه الظاهرة التي تعرف اليوم بالشعبوية والقومية، والتي لها جذورها التاريخية، ولكنها لم تصمد أمام قوة روح الإنسانية، لتعود وبقوة اليوم مع اشتداد الإرهاب والعنف والقتل اللاإنساني، والتي تنتشر ليس فقط في دولنا بل امتدت إلى الدول الأوروبية. إنها تقوم على رفض الديمقراطية، والانفتاح الإنساني وكراهية الغير، والانكفاء على الذات. هي عودة للقومية العمياء بصورة أقوى، لأنها متسلحة بأدوات القوة العسكرية والاقتصادية وأسلحة التدمير الشامل.التسامح هو الوسيلة للتغلب واحتواء تداعيات هذه الظواهر المدمرة للنسيج الاجتماعي الواحد، وللحيلولة دون تقسيم الدول على أسس إثنية وعرقية ومذهبية ودينية. وللتغلب عليها لا بد من تبني وإحياء منظومة قيم التسامح، التي تقوم على المساواة والتعايش المشترك، والعدالة في الحياة، وعلى مبدأ شركاء أن الشراكة في الأرض تعني الشراكة في الحياة. فعدم المساواة هو نوع من الانحياز العرقي أو الديني أو الطائفي، وأن التمييز هو الوجه والتعبير العملي لغياب العدالة. وقد اعتبرت الأمم المتحدة هذا التمييز عملاً غير أخلاقي وغير شرعي. والتسامح من المفاهيم التي تدعو لبناء المجتمع الأفضل وبناء دولة المواطنة الواحدة. والتسامح لا يعني التفريط في الحقوق والثوابت والعادات والتقاليد الأصيلة، والتسامح ليس سلعة مستوردة بل هو من قيمنا الأصيلة التي أكدها الدين الإسلامي. وللتسامح أبعاد ومستويات كثيرة، مثل البعد الفردي في التعامل بين الأفراد على أساس المحبة والتعاون المتبادل والاحترام المتبادل، وعلى مستوى المجتمع عندما يترجم التسامح في القوانين والتعليم والعلاقات الإنسانية التي من خلالها لا يشعر أحد بالتمايز والمفاضلة. وللتسامح بعد خارجي عندما يتحول إلى قيمة إنسانية عليا تحكم سلوك الدول في علاقاتها مع بعضها، ومن أجل التسامح أسست المنظمات الدولية ذات الطابع الإنساني وأهمها «اليونسكو» التي تعمل على نشر التعليم والثقافة الإنسانية وثقافة التسامح. ودولة الإمارات هي من الدول الإنسانية بامتياز، حيث فتحت أبوابها للعمل لجميع الجنسيات، ومنذ البداية نهجت سياسة غرس جذورها الأولى المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تقوم على التسامح وقبول الآخر، واليوم تترجم دولة الإمارات هذه السياسة بإنشاء وزارة متخصصة بالتسامح، وبسن القوانين، ومراجعة المناهج التعليمية، وبتبني الخطاب الديني المعتدل والمنفتح، بحيث احتلت المواقع الأولى بين الدول في نهج التسامح، بما يجعلها قدوة للدول الأخرى. drnagish@gmail.com

مشاركة :