بحر الأسبوع المنصرم فقدت الصحافة السعودية والعربية اسماً صحافياً شاهقاً.. أسهم على مدى أربعة عقود في صياغة واقع ثقافي وصحافي مفصلي.. فبرحيل الأستاذ القدير تركي بن عبد الله السديري نكون قد خسرنا رمزاً شارك في تشكيل حقبة تاريخية مهمة ضمن صيرورة سياقنا الثقافي بوجه عام.. في الفترة التي كان الأستاذ السديري فيها قائداً لإحدى الصحف السعودية البارزة وهي الزميلة «الرياض»، كان يشارك بوعي تام في صياغة أبنية الثقافة المجتمعية عبر المحتوى الذي تبثه صحيفته كل صباح على امتداد عشرات السنين.. متحملاً طيلتها حروب السيوف والحروف ودسائس العقارب من محاربي التطور ومحدودي الآفاق.. إذ لم تكن مهمة رئيس تحرير صحيفة كبرى بحجم صحيفة الرياض نزهة ممتعة، بالقدر الذي كانت فيه هماً يومياً يستقبله بصدر رحب وشجاع.. فالصحافة في بدايتها وعبر مراحل نموها وتألقها كانت ميداناً مستأثراً بالتأثير والحضور والقيادة وصياغة الرأي العام.. وهنا يتجلى الموقف الثقافي لدى هذا الرجل الرمز - رحمه الله -.. على المستوى المهني الصحافي يمتد تأثير أستاذ الجيل والمجال الراحل ذكراً المقيم أثراً تركي السديري - يرحمه الله -.. ليشمل المشهد الصحافي السعودي والخليجي أيضاً.. فالأقوياء يدفعونك لكي تكون قوياً ومنافساً ومبدعاً.. وهذا ما بثه - رحمه الله - في نفوس مجايليه ومنافسيه صحفاً وصحافيين.. ناهيك عن تأثيره الذي عم وانتشر عبر تلاميذه الذين أخذوا عنه المهنة ورحلوا ليبثوها في أوردة الحقل داخلياً وخارجياً.. تركي السديري كان تجسيداً دقيقاً للغاية لمعنى وهوية «رئيس التحرير»، هذه التوليفة المنوعة من القوة والصرامة والدكتاتورية واللطف واللين والتسامح والكرم والنُّبل.. هي جملة من المتناقضات التي تمتزج لتشكل كاريزما الرجل الأول في المؤسسة الصحافية.. مع قدرة فائقة في استدعاء الصفة الأمثل للمواقف المتعددة.. رحم الله أستاذنا الكبير تركي السديري.. وكم أتمنى تخليد مسيرته الثقافية والصحافية بتكريم يليق برجل أسهم في صياغة واقع ثقافي وصحافي مهم..
مشاركة :