دخلت إلى مرحلة الجامعة والجميع يؤكد أن الحياة الجامعية هي أحسن وأسهل المراحل التي ستمر عليّ؛ علّها ليست كذلك! حين تدخل الجامعة وبعد فترة تكتشف أنها مجتمع صغير ناتج من مزيج بين مجتمعات كبيرة بطوائف مختلفة.. حقاً الأمر مخيف، فمجتمع المدرسة الذي كنت تألفه سابقاً انتهى، فكنت مع مَن يشبهونك في التربية والسلوك والبيئة، لكن في هذا "اليخني" الوضع يجعل صدرك يضيق من الخوف، أنت طفل يجهل ما حوله، يستكشف ويبدأ ليمشي، أو لنكن أدق يحبو لكي يعرف ما هذا؟ وما تلك؟ وماذا إن لم أفعل كذا؟ وماذا سوف أفعل إن حدث كذا؟ الكثير من الأسئلة حاضرة بالذهن.. لكن دعنا نعترف أن الجامعة هي أسوأ المراحل وأحسنها، فيها تعرف نفسك وتكتشف ما تجهله عنها، تحاول أن تبني وجهة نظر مؤقتة إلى أن تحتك بالمجتمع الكبير فلنبدأ. السنة الأولى "الفرح الأهوج بدخولها": كما سبق أن ذكرت أنك ستكون ذلك الطفل الذي يحبو ويهوى الاستكشاف، لكن عليك أن تكون حذراً فقليل من الجهالة ينجي. وتأكد أنه إن لم تكن صداقاتك بالجامعة هم أصدقاء المراحل السابقة في الدراسة، فيجب أن تكون على يقين أن هؤلاء العشوائيين محض مرحلة قصيرة أو طويلة فأجلها بيد علّام الغيوب. أما عن العلم أو الهدف الدراسي ففي كل الجامعات سنة تسمى بـ"العام"، "الإعدادي" أياً كان المسمى فالهدف واحد هو التعريف بكل مجال ستدرسه، وهذا عن طريق كتاب يشرحه لك دكتور أو عدة دكاترة، وفي كل الحالات أنت المسؤول عن نفسك أمام الله في شأن الدراسة، فالمعلم بالجامعة دوره وضع الخطوط العريضة "إن وجدت"، ولا أقصد بهذا جميعهم، لكنهم أغلبية، وعليك البحث والتنقيب لتنجو بنفسك للتأهل لمصيرك الذي ينتظرك. السنة الثانية "اعتمِد على عقلك ولا تستفتِ قلبك": هذه السنة يظهر تنسيق الأقسام في معظم الكليات كالهندسة والإعلام مثلاً. تأخذ أنت في محاولات متعثرة للجمع بين المتعة والنجاح دراسياً، وإن كنت من محبي الاستطلاع وتطوير الذات، فأهلاً بِك يا صاحِ في موطن المتاعب مع الأساتذة... كُن مدركاً أن ما تدرسه على المنصات التعليمية الحرة هو ما يفيد مستقبلاً عملياً، لكن ما تدرسه بالجامعة هو مَسلك للفرار من الأمر المحتوم بأسهل الطرق وفقط، فإياك والجدال فأنت مُخطئ وإن كنت صاحب حق. وأما عن العلاقات الإنسانية كُن مدركاً أنك إلى حد ما فهمت لكنك لم تنضج. ستفهم أنه لا بد من تواجد أشباه ودّ بينك وبين الزملاء خصوصاً أن تشارك في عمل طلابي أو مجموعات دراسية وعساها تربي بعض التفاهم ليصبح أحدهم زميلاً مقرباً. السنة الثالثة "ما قبل الطحن يا فلفل": في تلك السنة تشعر أنك هذا المجند الذي يهيئه رئيسه للدخول إلى الحرب أو كمحاور بمناظرة يستعد ليغلب نظيره، ويكسب المعركة بشكل دبلوماسي، وهذا عساه أفضل من التشبيه السابق. عليك أن تدرك أن أهم أسلحة تلك المعركة هو العقل والصبر معاً، أن تكون صابراً صامداً كالقناص هدفه يقترب لكن باتباع الحنكة. والصدقات في تلك المرحلة تكون واضحة شيئاً ما، بمعنى أنك تكون مستعداً للنضج قادراً على تجاوز معنى ألا تلاقي الأصدقاء القدامى إلا في العطلات، كل منكم يتحدث عن صولاته وجولاته مع كليته وعن همومه، كل منكم يتحدث عن الأيام السالفة من الدراسة معاً باشتياق وألم، وستتحدث عن زملاء الجامعة بأنهم محض مرحلة فمبارك قد كبرت. السنة الرابعة "على أعتاب الخروج منها": "البكالوريوس" تلك الكلمة الجميلة الرنانة صاحبة الطرب العظيم على القلب والنفس التي تتراقص لها طبلة الأذن الوسطى لها فرحاً، لكن ثمنها غالٍ، فستجدها تأخذ من وقتك النظري والغذاء النفسي، ستبدأ تألف طابع العمل أنك لست الحر ولست السجين، لكنك مطالب بدقة العمل وسرعة التنفيذ، ومطالب بأن تتعرف على أن لهؤلاء العشوائيين دوراً في بدايتك مع الحياة العملية. ستبدأ إدراك أن العلاقات الإنسانية من المتغيرات، وستعلم أن القاعدة الثابتة بالحياة العملية والإنسانية أن الثابت بالحياة هو التغيير، ذلك الوحيد، وعلى أعتاب الجامعة ستواجه الحياة بعقلك وعلمك، ومن ساندوك قبل الجامعة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :