الكويت بلد صغير جغرافياً وسكانياً.. ومن سمة المجتمعات الصغيرة أن تراتبيتها الاجتماعية والثقافية تكون صارمة بعض الشيء، بمعنى أننا كمجتمع صغير مطلوب من كل فرد أن يلتزم بالشروط التي يضعها المجتمع لكي تكتمل صورته كفرد «مثالي».. فكل فرد مطلوب منه إتمام تعليمه والالتحاق بالجامعة، التي تعتبر في المجتمعات الكبيرة والممتدة مرحلة تعليمية عالية لا تدخل ضمن النظام التعليمي العام!! لكننا في الكويت أصبحت الجامعة جزءا من التعليم العام ومرحلة سابقة للتعليم الثانوي! يتخرج الفرد في الجامعة ويبدأ الوظيفة ثم يتزوج ويرزق بأبناء ويبدأ بإعداد السكن وفقاً لشروط المجتمع.. صالونات استقبال تستنزف الميزانية.. ثم حمامات ضيوف.. ومطبخ خارجي وآخر للتحضير.. وغرفة عاملة! وهذا لا ينطبق فقط على من حالفهم الحظ وحصلوا على بيوت، بل أصبحت هذه المعايير مستخدمة حتى في نظام الشقق السكنية! خلاصة القول هنا إن الخروج عن هذا «التنظيم» المجتمعي قد يؤدي إما إلى حزن الفرد، الذي لم يتمكن من تحقيق هذه الشروط لأسباب مختلفة.. وإما إلى نبذ واستهجان خروجه في حال كان باستطاعته ولم ينفذها. قرأت أخيراً كتاباً بعنوان «المفتاح للعقل المتميز» للكاتب فيشن لاكهياني، يتحدث فيه عن تجاوز شروط البيئة والمجتمع، ولكن بالطبع على نطاق أوسع بكثير من مساحتنا هنا في الكويت! حيث يتناول الكاتب كيف أن كل ما تلقيناه من ثقافة وتقاليد وأعراف قد كان بفعل التلقين، الذي ليس لعقلنا الفردي دور فيه على الإطلاق! هو يشبه مخزوننا العقلي بمخزون أي جهاز تشغيلي.. فكما أن هذه الأجهزة بحاجة دوماً إلى تحديث، كذلك هو عقلنا ومخزون وعينا الذي يحتاج إلى تحديث هو الآخر يكون فيه للإرادة الفردية وليس للتلقين الدور الأكبر!! فيتحدث هنا مثلاً عن تجربته الشخصية مع أكل «الهمبورغر» الذي كان من المحظورات لكونه ينتمي إلى ديانة شرقية تحرم أكل البقر.. وكيف أنه استطاع تحديث وبرمجة عقله ليصبح «الهمبورغر» أكلة شهية بعد أن كانت جزءا من طقوسه ومعتقده الديني! الكتاب أكثر من شيق وهو يتناول قصصاً لمبدعين استطاعوا إعادة برمجة عقولهم.. وتحديث معلوماتهم بشكل مكنهم من كسر المألوف، ومن ثم الإبداع في مجالات كثيرة خدمت البشرية! قد لا تكون مهمة الخروج عن المألوف وتجاوز شروط المجتمع من حولك مهمة سهلة خاصة في المجتمعات الصغيرة… فهي تشترط شجاعة وجرأة وثقة ومعرفة أولاً.. فلو كان نيوتن قد اكتفى بأكل التفاحة حين سقطت كما فعل غيره لما ظهر قانون الجاذبية وأسس معظم نظريات الميكانيكا الكلاسيكية.. ولولا شكوك غاليليو لبقي الناس يتصورون أن الأرض مركز الكون.. ولولا تفكّر باستور في سبب التخمّر لقتلتنا الميكروبات! فهؤلاء خرجوا عن المألوف من حولهم.. وغاصوا عميقاً في الجانب المتميز والمبدع في عقولهم.. وعملوا على تحديث وبرمجة كل ما هو مخزّن في العقل.. فالخروج عن المألوف ليس تمرداً!! سعاد فهد المعجلE.mail.Suad.almojel@gmail.comSuadalmojel@
مشاركة :